Al Jazirah NewsPaper Sunday  19/07/2009 G Issue 13443
الأحد 26 رجب 1430   العدد  13443
كذب المنجمون ولو صدقوا

 

عزيزتي الجزيرة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نشرت الجزيرة في العدد 13425 الصادر يوم الأربعاء 8-7-1430هـ خبراً في صفحة (منوعات) عن الفلكي التونسي حسن الشارني أنه تكهن(1) بوفاة جاكسون هذا العام - وهو ما حدث فعلاً - كما ذكرت أن المنجم المذكور قد تكهن بوفاة الأميرة ديانا بحادث سيارة، وقد حصل.

هذا ما نشرته (الجزيرة) نقلاً عن صحيفة الحدث اليومي التونسية، ولي على هذا الخبر بعض التعليقات.

الأول: أنه يُعلم من دين الإسلام بالضرورة أنه لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}، (65) سورة النمل.

وأمر الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}، (188) سورة الأعراف.

وقد عدَّ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- من رؤوس الطواغيت الخمسة من ادَّعى علم الغيب.

الثاني: إذا قررنا هذه العقيدة، فما الجواب عن وقوع بعض الحوادث التي يتكهن بها العرافون بكافة أنواعهم (المنجمون والكهان والرمَّالون وقراء الكف والفنجان وغيرهم)؟

الجواب: أننا - المسلمين - لا نشك أنهم لا يعلمون الغيب وأنهم دجالون كذابون. وما يقع منهم أحياناً من مطابقة الواقع لما تكهنوا به راجع إلى أمرين:

1- أن الواحد منهم قد يتوقع من عند نفسه عدة حوادث كثيرة ويعلنها للملأ وينشرها في وسائل الإعلام وربما وافق بعض هذه التوقعات قدراً من أقدار الله تعالى فوقع الحدث كما ذكر فيسارع الناس إلى تصديقه من أجل هذه التوقعات القليلة التي تحققت وينشر ذلك في وكالات الأنباء والصحف فيكون في ذلك فتنة لبعض الناس.

والغريب أن الناس لا يأبهون لعشرات التوقعات الخاطئة التي لم تقع ولا يُكذِّبونه بسببها.

2- أن بعض هؤلاء الدجالين يتعاون مع الجن والشياطين الذين يسترقون السمع من السماء، كما ورد في الحديث.. روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه الحديث العظيم الذي فيه (أن الله تعالى إذا قضى أمراً في السماء وتحدثت الملائكة بهذا الأمر..).

وفي هذا الحديث ما نصه: (فيسمعها مسترق السمع - ومسترق هكذا بعضه فوق بعض وصفه سفيان بن عيينة بكفه فحرَّفها وبدَّد بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء).

وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قلت: يا رسول الله إن الكهان كانوا يتحدثون بالشيء فنجده حقاً قال: (تلك الكلمة الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه ويزيد فيها مائة كذبة).

وقال محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد في سياق المسائل المستفادة من هذا الحديث: كون الكاهن يصدق بعض الأحيان، كونه يكذب معها مائة كذبة، أنه لم يصدق كذبة إلا بتلك الكلمة التي سمعت من السماء، قبول الناس للباطل كيف يتعلقون بواحدة ولا يعتبرون بمائة، كونهم يتلقى بعضهم من بعض تلك الكلمة ويحفظونها ويستدلون بها.

وقال ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- في كتابه (القول المفيد): (اختلف العلماء هل المسترقون - أي من الجن - انقطعوا عن الاستراق بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الأبد أو انقطعوا في وقته فقط؟ والثاني هو الأقرب أنهم انقطعوا في وقت البعثة فقط).

التعليق الثالث: كنت أتمنى من الإخوة المحررين في جريدة الجزيرة أن لا ينشروا مثل هذه الخرافات التي ربما تزعزع عقائد بعض العامة والجهال، أو أنهم إذا نشروها أن يبينوا في أول الخبر أو في آخره أن هذا دجل وكهانة وأنه لا يعلم الغيب إلا الله تبارك وتعالى وكذب المنجمون ولو صدقوا.

****

(1) أرى أن استعمال كلمة (تكهن) هنا أولى من كلمة (تنبأ). والله أعلم.

إبراهيم بن علي القيشان
مدرس العلوم الشرعية في المعهد العلمي
عنيزة 51911 - ص.ب 5415





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد