Al Jazirah NewsPaper Wednesday  22/07/2009 G Issue 13446
الاربعاء 29 رجب 1430   العدد  13446
مركاز
الإنسان.. السكن
حسين علي حسين

 

ساهم الصندوق العقاري في ما نحن فيه الآن من التوسع في العمران المنزلي، فأصبحنا نبني من الغرف والصالات والمطابخ والمستودعات المنزلية أكثر مما نحتاج إليه، وربما سيكون في مقبل الأيام أكبر من طاقتنا المالية على الصيانة والنظافة والمراقبة، لكي تظل الوحدة السكنية نضرة ونظيفة على الدوام. والسبب أيضاً أننا ننظر إلى بعضنا، فإذا اشترى الجار الذي عنده زوجة وخمسة أبناء قطعة أرض مساحتها سبعمائة متر، بنى ما يماثلها وأكثر في دورين وجزء من الدور، كل واحد من الأبناء له غرفة وحمام والزوج والزوجة لهما ملعب كرة قدم بمسمى غرفة النوم الرئيسة، وهذا الملعب له العديد من الملحقات أبرزها غرفة الملابس والجاكوزي والمروش والمجلس، أما الصالون العام فله أيضاً ملحقات أبرزها صالون حديث وصالون عربي وصالون نسائي وصالون للأسرة، وهناك مطبخ يتضاءل بجانبه مطبخ أي فندق متوسط الحجم ومعه أيضاً ملحقات سفرة صغيرة، ومستودع ومطبخ خاص بتلك المأكولات ذات الأدخنة أو الروائح النفاذة وهناك أيضاً مطبخ في الحوش. كل هذه الهيصة المعمارية لستة أشخاص، أكثر من سبعمائة متر من المباني وما يتبعها من خدمات الماء والكهرباء والمجاري. عندما يرى الجار أو الصديق مثل هذا الوضع لا يتعظ ويفكر ويتدبر ثم يأخذ القرار الصحيح، لكنه يتبع صديقه رغم أنه ليس لديه سوى طفل أو طفلين، كل هؤلاء كانوا في السابق يسكنون في منازل من دور أو دورين، المساحة الإجمالية لا تزيد عن مائة متر، وغالباً ما يضم البيت أكثر من عائلة، كل زوج وزوجته لهما غرفة والأبناء والبنات لكل جنس منهما غرفة، والحاكم بأمره واحد أما الوالد العود أو الأم، وهذه الأم هي التي تدير هذه المملكة المنزلية، لا إفراط ولا تفريط حتى بدأ الإفراط والتفريط قبل نصف قرن تقريباً، فأصبح الزوج أو أهل زوجة المستقبل يشترطون منزلاً من بابه لابنتهم، خوفاً من تسلط أم الزوج أو إخوانه الكبار، وجاءت الطفرة المالية وقروض صندوق التنمية فأطلقت رصاصة الرحمة على تقنين الحاجات كلها ومعها تقنين العواطف والعلاقات العائلية!

المنزل -كما يقول صديق معماري- يشبه الإنسان، حيوي في صغره وفراغات متعددة أمامه، وفي متوسط العمر تكون الحركة الزائدة والقوة، كافة الغرف والحمامات والساحات والصوالين متحركة بمن فيها، وفي المرحلة الثالثة يعود الفراغ من جديد، لكنه هذه المرة فراغ الوحدة والوهن، وفي هذه الحالة فإن الصيانة والرعاية قد تكون عبئاً وقد تكون مهلكة للوحدة السكنية ولمن فيها وهو نفس ما يحصل للإنسان، وفي حالة أن هذه الوحدة صغيرة وملمومة فإنها أيضاً تصبح مثل الإنسان الذي وصل إلى منتصف العمر أو قبله وهو لا يأخذ إلا ما يحتاجه من الأكل والنوم والسهر، مثل هذا الإنسان تكون شيخوخته معقولة فهي تكاد تكون خالية من زوابع الضغط والسكر والسمنة وحتى تكاليف العلاج تكون معقولة وهو خفيف في منامه ومقامه وحركته!

العمران المترهل مثل الإنسان المترهل، كلاهما مكلفان في البداية والنهاية، فلماذا لا يعي المعماريون والناس ذلك، وهم يخططون لوحدات ليست لنا، وليست حتى للناس الأكثر تطوراً ومالاً وعلماً في الدول الأوروبية والأمريكية الذين لا يشيدون من المباني إلا ما يفي بحاجتهم وراحتهم ولا يركبون من العربات إلا ما يكون جيداً في صيانته معقولاً في قيمته!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد