Al Jazirah NewsPaper Thursday  23/07/2009 G Issue 13447
الخميس 01 شعبان 1430   العدد  13447
يرى أنه أقرب إلى عبدالصبور وحجازي ودنقل
الشاعر المصري حسن طلب: أنا بريء من جيل السبعينات

 

القاهرة مكتب«الجزيرة» - أحمد عزمي

ينتمي الشاعر (حسن طلب) إلى جيل السبعينات الذي تبلورت رؤاه وتجربته عبر جماعة (إضاءة 77) لكنه كان مختلفا باستمرار عن أبناء جيله، وربما دعاه هذا إلى أن يتبرأ الآن من جيل السبعينات، ويرى نفسه أقرب إلى شعراء كصلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي وأمل دنقل، يعمل (طلب) أستاذا للفلسفة بإحدى الجامعات العربية، وكان لهذا تأثيره الكبير على شعره، فالقصيدة التي تخلو من أبعاد فلسفية، ينقصها شيء بالتأكيد، وفي هذا فإننا نراه متأثرا بأبي العلاء المعري.

أصدر (حسن طلب) أكثر من عشرة دواوين، منها (سيرة البنفسج) و(لا نيل إلا النيل) و(حجر الفلاسفة) و(عاشق النشيد) و(آية جيم) والديوان الأخير صودر فور طباعته بقرار من الجهة الناشرة له، وها هو ذا (طلب) يعيد طباعته في دار نشر خاصة، إضافة إلى ذلك فإن الشاعر نائب الرئيس تحرير مجلة (إبداع) التي أثيرت حولها عدة أزمات في الآونة الأخيرة.

* أعدت إصدار ديوانك (آية جيم) بعد أن صودر عام 1991 فلماذا صودر الديوان؟

سبب المصادرة في الماضي هو التراجع الثقافي وضيق الأفق، الذي جعل الجهات الرقابية تضيق ذرعا بكل أنواع الأدب الجديد، أو الكتابة الجديدة، التي تحاول أن تقدم طريقة جديدة في الكتابة أو رؤية جديدة للغة من خلال الوعي بأهمية التجديد، الذي أصبح بدعة ينبغي أن تقاوم وهناك ما هو أخطر، وأقصد الرقيب الذاتي، الذي تكون في مناخ معاد لحرية التعبير، داخل عقول المسؤولين عن النشر، خاصة في الجهات الحكومية والرسمية، وهذا الأمر مفهوم لنا، لأنهم بذلك يحافظون على مقاعدهم ومناصبهم لأطول فترة ممكنة.

والتهمة التي اتهم بها ديواني فور صدوره عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1991 تهمة جزافية، بعيدة كل البعد عن الحقيقة، لأن الاقتباس من القرآن الكريم هو قمة البلاغة العربية، كان وسوف يظل كذلك هو اقتباس مشروع، ولو اطلع هؤلاء الذين اتهموا الديوان على تراثنا الشعري لوجدوا شواهد لا حصر لها علي أنواع من الاقتباس من القرآن الكريم والحديث الشريف، وقد أقر هذا الأمر النقاد الكبار، ورحبوا به بشرط أن يكون السياق الذي تم فيه الاقتباس جادا ورصينا، وأظن أن ديواني ينطبق عليه هذا الكلام، ومع ذلك صودر الديوان درءا للشبهة، وحماية للنفس من قبل القائمين على نشره، ولكن هذه المصادرة لم تكن بقرار أو حكم محكمة، ولذلك أستطيع أن أعيد إصداره مرة أخرى.

* ولماذا فكرت في إعادة إصداره بعد ثمانية عشر عاما؟

كنت مقصرا بهذا الصبر الطويل، لكنني قررت أن تكون الأولوية في السنوات السابقة لنشر ما لم ينشر من دواوين، ثم يأتي التفكير في إعادة طبع الدواوين السابقة.

** ولماذا الإصرار على ما يمكن أن نطلق عليه (خروقات دينية) رغم ثراء الواقع؟

هناك خروج مجاني لدى شعراء هذه الأيام، وهو خروج يأتي غالبا في صياغة ركيكة، لا تمتلك جماليا، ولا تجد لها ضرورة في نسيج العمل، وهذا الخروج مرفوض شعريا وجماليا قبل أن يكون مرفوضا لأسباب دينية.

* بعيدا عن الأزمة المثارة حول مجلة (إبداع) هناك اتهامات للمجلة بأنها مغلقة على (شلة) بعينها فكيف ترى ذلك؟

نحن ننشر لأقلام جديدة من الشعراء والمترجمين والباحثين والفنانين التشكيليين، الذين يقدمون إنتاجا رصينا، يستحق أن ينشر، لكن هناك فئة من شعراء قصيدة النثر يقدمون قصائد غير مقنعة، نستبعدها من النشر.

* درست الفلسفة وتدرسها الآن في الجامعة، فكيف ترى العلاقة بين الشعر والفلسفة؟

أنا أحد الشعراء الذين لهم ولاء مزدوج، للشعر والفلسفة، ولا أرى أن هذا الولاء مزدوج بالمعنى المباشر مهم للكلمة، لأنني أظن أن الشعر الحقيقي هو ذلك الذي يحتوي على طبقات من العمق الفلسفي، والشعر يطرح أسئلة كبرى تتعلق بمصير الإنسان والقلق الوجودي الذي يسكن أعماق النفس الإنسانية، وتتعلق بما هو جوهري في تجاربك الإنسانية عموما، والفلسفة تطرح هذه الاسئلة أيضا، لكن الفارق أن الشعر يطرحها في صياغة رمزية تنتمي إلى الفن، بينما الفلسفة تطرحها على نحو مجرد، بصياغة عقلانية منطقية.

وفي كل تجربة شعرية كبرى هناك بعد فلسفي كامن في الأعماق ولذلك ستجد أن أعمق شاعر في تراثنا العربي هو (أبو العلاء المعري) لأنه استطاع أن يزاوج بين الشعر والفلسفة، بدون أن يفقد الشعر شعريته، وقد تأثرت به كثيرا في شعري.

* هناك حضور للتراث المصري الفرعوني والتراث العربي الإسلامي في شعرك فهل تبحث عن سؤال الهوية من خلال الشعر؟

فكرة الهوية ليست هي الدافع الذي يحركني لاستلهام الفكر المصري القديم والتراث الإسلامي بقدر ما هو نوع من امتحان بعض الاسئلة، التي تلح علينا جميعا، وأستحضر مقولة جمال حمدان (مصر عربية بالأب فرعونية بالجد) ومثل هذه الفرضية التي طرحها جمال حمدان جعلتني على يقين من استمرار فكرة الحضارة، فالحضارة المصرية قدمت للعالم أفكارا أساسية في الفن، فالحضارات يسلم السابق فيها الراية لمن يليه، وهذه النظرة للتاريخ تستطيع تصحيح كثير من المفاهيم السائدة المغلوطة، وهذا ما حركني لاستلهام التاريخ المصري القديم والتراث العربي الإسلامي؛ لأن ثقافتي عربية في النهاية.

* وكيف ترى علاقتك باللغة؟

لا أفهم الشعر بعيدا عن الاهتمام باللغة والانهماك فيها، بطاقاتها وعبقريتها الخاصة، أنا ضد من يتعامل مع اللغة على أنها مجرد أداة أو وسيلة للتعبير؛ لأن هذا الاستخدام للغة يبتذلها، من الممكن أن توافق عليه في الاستخدام اليومي للغة، لكن عندما يتعلق الأمر بالشعر، فلابد من نظرة أخرى للغة، قد ترقى بها في بعض الأحيان إلى أن تكون غاية في ذاتها، وهذه هي الفكرة التي قامت عليها محاولاتي السابقة خاصة في ديوان (آية جيم) فقد جعلت الحرف غاية، وهذه حالة لم يسبقني إليها أحد منذ فرقة (الحروفيين) في القرن الخامس الهجري، فأنا أجل اللغة على أن تكون مجرد وسيلة للتعبير.

* وأين الحاضر في شعرك؟

الحاضر موجود في شعري بشكل أقرب إلى الإسراف أحيانا وفي ديواني (لا نيل إلا النيل) هناك اشتباك مع القضايا التي نشأت في حقبة السبعينات، وهناك قصيدة سببت لي أزمات، وهي عن الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وعنوانها: (جيل السبعينات يتحدث عن نفسه) ولي قصائد أخرى عن العراق، وكلها تشي بتورطي في الواقع، إلى حد الانغماس، ولكن مع عدم التضحية بالشكل والقيمة اللغوية.

وعندما تحاكي الواقع تجد نفسك دون أن تدري متورطا في استشراف المستقبل، وفي الوقت نفسه لا يكون هناك فكاك من الماضي، لكننا نختار وننحاز مما يستحق أن نتمسك به، لأنه يمتلك طاقات من النور، لاتزال قادرة علي أن تشع علينا، وبدورنا نستلهمها ونحدثها إذا استطعنا.

* كيف ترى واقع الشعر الآن؟

هناك نوع من الصراع غير المفهوم بين الاتجاهات المختلفة، بين شعراء التفعيلة، الذين أعتبرهم الجسد الأساس لحركة الشعر المعاصر، وتيار قصيدة النثر والقصيدة العمودية، لقد تحول هذا الصراع في كثير من الأحيان إلى نوع من التطاول، وبدورنا نقول: نحن مع الشعر الجيد والحقيقي، سواء كان مكتوبا بالتفعيلة أو من خلال الشعر العمودي.

* لماذا تقلص تأثير أدونيس على الشعراء الجدد في مصر؟

أدونيس يكرر نفسه في كتاباته الأخيرة، وقد تراجعت المكانة التي كان يحتلها في مرحلة السبعينات، وتباعدت المسافات بينه وبين الأجيال الجديدة التي تستلهم أدواتها الفنية من فنون أخرى كالسينما والوسائط الالكترونية الحديثة كالانترنت التي أثرت في شكل القصيدة الجديدة، والكثيرون من هذه الأجيال لا يعرفون أدونيس، فهم يستمدون تجاربهم من الحياة اليومية المباشرة.

* تنتمي إلى جيل السبعينات فكيف ترى هذا الجيل الآن؟

أنا بريء من جيل السبعينات؛ لأن هذا التصنيف بمثابة قفص نقدي تم حشرنا فيه جميعا، ومن العبث حبس الناس في هذه الأقفاص، وأعتقد أن ما يربطني بشعر صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي وأمل دنقل أكبر مما يربطني بكثير من شعراء السبعينات.

* أين تضع القارئ في تجربتك الشعرية؟

عندما أكتب قصيدتي أنسي القارئ تماما، فكل ما يشغلني هو العالم الداخلي للقصيدة، أما عندما تخرج القصيدة إلى النور فإن أمنية كل شاعر أن تصل قصيدته إلى أكبر قدر من الناس، وستظل هذه الأمنية تغازل خيال كل شاعر.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد