Al Jazirah NewsPaper Tuesday  28/07/2009 G Issue 13452
الثلاثاء 06 شعبان 1430   العدد  13452
الشركات الصينية ومشروعات التنمية
فضل بن سعد البوعينين

 

محدودية الموارد المالية في العقدين الماضيين كانت السبب الرئيس في تأجيل كثير من مشروعات التنمية، وعلى رأسها المباني المدرسية. اجتهدت الحكومة في السنوات الخمس الأخيرة لتعويض النقص بزيادة معدلات التنمية والإنفاق الحكومي بعد أن توفرت الأموال، بفضل من الله وبركته، فتوجهت الأنظار نحو الإنجاز، لا الإنفاق المتدفق!.

التعليم، الصحة، الطرق، المرافق البلدية حظيت بنصيب الأسد من المخصصات المالية السنوية، إلا أن معضلة الإنجاز حرمت المجتمع من كثير من مشروعات التنمية المعتمدة في السنوات الماضية. العام 2006 كتبت متسائلاً عن قدرة الشركات الوطنية على تحمل أعباء تنفيذ مشروعات التنمية, وطالبت بفتح سوق الإنشاءات أمام الشركات العالمية لاختصار زمن التنفيذ ولضمان الجودة. أذكر أنني استشهدت بالشركات الكورية التي أنجزت ميناء الملك فهد الصناعي بمدينة الجبيل، والتي نجحت أيضاً في تنفيذ شبكة المياه والصرف الصحي بكفاءة عالية. تلك المطالبة بُنيت على ضخامة مشروعات التنمية، وحاجة المجتمع لها، وضرورة تنفيذها في وقتها بحسب المواصفات العالمية لضمان الجودة، وزيادة عمرها الافتراضي.

تكدست المشروعات، ولم تستطع كثير من الشركات الوطنية التعامل معها بكفاءة، وتعرضت بعض المشروعات المنجزة لسلبيات التنفيذ التي بدت واضحة للعامة لا المختصين. تحدث الملك عبدالله بن عبدالعزيز بشفافية لوزرائه قبل ثلاث سنوات وذكرهم بالأموال المرصودة لمشروعات التنمية العالقة، وحثهم على إنجازها، فلا (عذر لأحد بعد اليوم). عاد الملك عبدالله ليتحدث عن ضرورة السماح للشركات الأجنبية بدخول السوق السعودية للقضاء على معضلة إنجاز مشروعات التنمية. يبدو أن الشركات الأجنبية غير مرحب بها من بعض رجال المال والأعمال، والغرف التجارية التي يسيطر عليها، وعلى لجانها المتخصصة، ملاك الشركات الذين ركز بعضهم على حصتهم السوقية وتناسوا مصلحة الوطن وحاجات المواطنين الملحة. وضع المشروعات الخدمية المتأزم فرض على الجميع القبول بدخول الشركات العالمية لسوق الإنشاءات المحلية، وهو أمر قد يحدث نقلة نوعية في أسلوب التنفيذ وكفاءته، وسيساعد على نقل ثقافة الإنشاءات المتطورة للشركات الوطنية. للأمانة، فبعض الشركات الوطنية الضخمة أثبتت قدرة فائقة على التعامل مع المشروعات الضخمة ذات العلاقة بالحرمين الشريفين، إلا أنها تبقى الاستثناء الذي يخالف القاعدة.

وزارة التربية والتعليم أبرمت عقداً بملياري ريال مع شركة (تشاينا ريل واي) الصينية لإنشاء 200 مبنى تعليمي في مناطق المملكة ومحافظاتها. حددت مدة التنفيذ بـ 14 شهراً، وهي مدة زمنية معقولة قد تساعد في حلحلة أزمة المباني المدرسية. ما يهم في هذا الجانب أن تقوم الشركة بتنفيذ جميع المباني المدرسية بعيداً عن عقود الباطن. فدخول الشركات الصينية بقوة لسوق الإنشاءات يضمن تواجدها الدائم وانخفاض تكلفة مشروعاتها مستقبلاً على أساس توفر المعدات والأيدي العاملة في مواقع العمل.

الأمر الأكثر أهمية في هذا الجانب هو (مخططات المباني المدرسية) التي يفترض أن تتحاشى أخطاء الماضي، وأن تؤسس لمباني مدرسية حديثة بحسب المواصفات العالمية. من الخطأ الابتداع في التصميم، والاتباع أكثر جدوى وسلامة، ومن هنا يمكن الاستعانة بتصاميم المباني المدرسية العالمية النموذجية وتطبيقها محلياً. تصميم المباني المدرسية في الأعوام الماضية أثبت فشله الذريع، وتكراره الأخطاء بسبب الاستنساخ، ومن هنا نطالب بتطبيق النماذج العالمية محليا لتجاوز الأخطاء ولتحقيق المنفعة القصوى من أموال المشروعات الحكومية، إضافة إلى إدخال التحسينات المتوافقة مع الاحتياجات، وربطها بموقع المشروع، والمساحة المتاحة.

الشركات العالمية هي القادرة على تنفيذ مشروعات التنمية الضخمة، بكفاءة عالية وبحسب المواصفات العالمية، شريطة ألا تَنّجَرِف، أو تُجرَف إلى عقود الباطن التي تنتهي برداءة التنفيذ، وكنت أتمنى لو أُوكِل تنفيذ مشروعات الطرق، الجسور، الكباري، المياه والصرف الصحي للشركات الصينية والكورية بدلاً من بعض الشركات الوطنية التي أثبتت الأيام الماضية فشلها في الالتزام بالوقت المحدد وجودة التنفيذ. المشروعات الحالية يفترض أن تُعمر لعقود قادمة، أسوة بدول العالم، فالوفرة المالية لا يمكن أن تدوم إلى مالا نهاية وهو ما يفرض على الجميع الالتزام بحسن التنفيذ والتدبير في مشروعات التنمية، وتقديم مصلحة الوطن على مصالح الشركات الوطنية!.

بقي أن أعيد اقتراحاً سقته خلال الأعوام السابقة، وهو ضرورة تشكيل هيئة إشرافية عالمية ترتبط بمقام رئيس مجلس الوزراء تهتم بالإشراف على جميع مشروعات التنمية الضخمة، وتقييم تكلفتها الحقيقية، وتشرف على النماذج والمخططات، ومراحل التنفيذ بكل دقة واستقلالية لضمان الجودة والكفاءة وواقعية التقييم.

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد