Al Jazirah NewsPaper Wednesday  29/07/2009 G Issue 13453
الاربعاء 07 شعبان 1430   العدد  13453

عفو الرجال
مهدي العبار

 

إن مهمة الاستخلاف الرباني للإنسان في الأرض وتكليفه سبحانه وتعالى للإنسان بعمارة الأرض وإقامة العدل فيها، قال تعالى:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (30) سورة البقرة، إنما هو تأكيد على تكريم الإنسان والرفع من شأنه ومكانته عند ربه عزَّ وجلَّ، لقد كرم الله بني آدم وشرع لهم منهجاً تستقيم معه كل أمور حياتهم، وأمرهم جلَّ شأنه بالإيمان وكرمهم: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (4) سورة التين.

فحفظ النفس البشرية وإكرامها واحترام آدميتها هو من الأمور المهمة في حياة البشر جميعاً وهو في الدين الإسلامي أمر لا بد من اتباعه وعدم التفريط فيه، قال تعالى: {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}

(32) سورة المائدة.

لقد عرف العرب العفو الذي يعتبرونه من شيم الكرام ومارسوه حقيقة والتصقوا به ومارسوا مع العفو الحكمة والصبر والحلم والتأني والتغلب على الغضب والغيظ وممارسة مبدأ رفع الإساءة بالإحسان والتغلب على الانتقام والثأر، قال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}

(134) سورة آل عمران.

وقصص العفو في مجتمعنا كثيرة ولا حصر لها قديماً وحديثاً، ولو عدنا إلى الوراء وقرأنا قصص العفو لضاق المجال لذكرها، ولعل منها قصة نويّر الأدمية التي قُتل ولدها الوحيد وجاء القاتل إلى بيت المقتول مسلماً أمره لله، إما أن يقتلوه أو يعفوا عنه، فعندما علم والد المقتول جاء مسرعاً ليأخذ بالثأر ويقتل قاتل ولده الوحيد، فما من نويّر إلا أن قالت بصوت مرتفع لاء لاء. يا عمران، وعمران هو زوجها ووالد ابنها الوحيد المقتول، وقالت تخاطبه شعراً بقصيدة طويلة منها قولها:

ما يستوي لك يا رفيع الحمايل

ذبحت دخيل البيت عيب وعذروب

وكذلك قصة مذهان بن غافل عندما أعتق لوجه الله قاتل والده بعد أن تمكن منه، والقصص في مجال العفو كثيرة ومنها قصة السبيعي الذي أعفى عن قاتل ابنه القحطاني، والذي طلب من سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز أن يطلق سراح القاتل، وقال له: يا سمو الأمير أنا سمحت عن حقي وأريد منكم أن تسمحوا عن حقكم، ويعني الحق العام، هذا ولد جاري وأرجو أن تحققوا طلبي، وكذلك قصة السويدي الشمري مع ابن جاره والذي استقبله ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله- والذي أكرمه وأنعم عليه بوسام الملك عبدالعزيز نظير عفوه عن قاتل ابنه، ويستمر العفو من أهل العفو، وها هو عبدالله بن سالم البلوي الذي كان يرفض كل العروض والملايين ولمدة تسعة أعوام للتنازل عن قاتلي ابنه ورغم ظروفه المادية الصعبة وأنه يسكن في خيمة مهترئة في منطقة تبوك، لقد قرر البلوي أن يعفو عمن قتلوا ولده لوجه الله تعالى، وإننا ندعو التاريخ بأن يسجل هذه المواقف وهذه الشيم وهذه المكارم، ولأن عفو الرجال لا يأتي إلا من رجال يريدون من الله وحده الثواب والأجر، إنها مواقف مشرفة في بلد مشرف لأمته ولعالمه، ونسأل الله أن يكون كل ما تم من عفو هو في موازين أعمال هؤلاء الأخيار هؤلاء الأفاضل ولا ننسى أن الله عفو يحب العفو.

****


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد