Al Jazirah NewsPaper Tuesday  04/08/2009 G Issue 13459
الثلاثاء 13 شعبان 1430   العدد  13459
سفير الحب!!
إبراهيم ناصر المعطش

 

ليس مستحيلاً أن يصبح أحدنا سفيراً للحب بين الناس، لكن الأمر ليس في غاية البساطة، بل ليس سهلاً على الإطلاق، فهو ليس مجرد قرار يتخذه المرء فيصبح سفيراً للحب، أو يتخذه غيره لتعيينه في هذا المنصب الإنساني الرفيع، لأنه ببساطة يحتاج إلى مقومات ومؤهلات وقناعات وسلامة في الداخل، وارتياح نفسي، وفهم عميق لمعاني الحب وضرورته في الحياة، ومعايشته ومعرفة كيفية نشر ثقافته بين الناس.

ما أروع أن يكون المرء سفيراً لأجمل كلمة في الوجود، بل أجمل معنى (الحب) يمثّله، ويعبّر عنه، يبشّر به، ينثر شذاه بين الخلائق، وينشر ثقافته ومفاهيمه من خلال سلوكياته ومنهجه وأخلاقه، سفير الحب لا بد أن يكون مقتنعاً به منهجاً، ومتشبعاً بمضامينه، ومرتدياً ثيابه، ورافعاً لواءه، وناطقاً باسمه وباسم معانيه العميقة، ومثله الرفيعة، وقيمه السامية.

إذا سادت مفاهيم الحب بين بعض الناس، وليس كل الناس، فإنها سترسم معالم القيم السامية، وترسي مبادئ حب الخير للغير، وتطارد شبح الكره والحقد والحسد، وتنبذ روح الانتقام والأذى وتحارب مظاهر الاستكبار، والظلم والتناكر والتنافر والاختلاف والعداءات والغبن والضغائن بين الناس.

من يتصدى لنشر روح التفاؤل والمحبة والتعاون بين الناس، لا بد أن يكون تيار الحب الحقيقي قد سرى في أوصاله من الداخل، وتشبعت به دواخله، وتشربته روحه حتى فاض منه للآخرين، يفوح كأريج البنفسج ونفح الورود والياسمين، فكل امرئ يقدم للآخرين ما تفيض به نفسه (كل إناء بما فيه ينضح) فهنيئاً لصنّاع الحب وموزعيه، ومروّجيه، ولسفرائه بين الخلائق من يبشرون به وينفحون أريجه في كل الاتجاهات قريباً وبعيداً، دون أن يريدوا من ورائه إلا الحب نفسه.

فلنغسل دواخلنا من كل ما يؤذي غيرنا، ونملأ جوانحنا بكل ما هو جميل ورائع، ولنتفاءل بالخير لنا ولسوانا، ونحارب مظاهر الشر داخل نفوسنا وذاتنا، ونحب لغيرنا ما تشتهيه أنفسنا، ونكره لهم ما لا يروق لنا، فالحياة تحلو وتزداد قيمتها حينما يسود الحب بين أفراد المجتمع، ومن يدرك ذلك لا شك أنه سيسهم في اتساع دائرة الحب بين الناس، ومن سلمت نفسه من ضعف الإيمان والطمع والكبر والخوف، والقلق، لا بد أن يرى قيمة الحب ويسعى إلى سيادة مفاهيمه وشيوع مبادئه.

من يكون سفيراً للحب، يفرح لفرح الآخرين، ويحزن لمكروههم، ويسعى في الخير لهم، تكون السعادة الحقيقية قد استقرت في نفسه، وتذوّق طعمها، وأراد أن يتذوّقه الآخرون مثله، فالذين يمارسون العطاء بلا حدود، هم من يعطون الحب الذي وجدوه في دواخلهم، وهم من يحبون أنفسهم (ليس حب الأنانية) ولكن نصح النفس وتأديبها وإلجامها وقيادتها إلى الخير فهذا هو حب النفس الحقيقي، أما الأنانية والطمع والظلم والغلظة والتنافس في حطام الدنيا فهذا ليس حباً للنفس، إنما هو خيانة لها، وظلم لها، وإبعاد لها عن جادة الصواب، ولأنهم يحبون أنفسهم، ويحبون الآخرين، فإنهم يشبعون أنفسهم وهم يمارسون حب الناس، ويسعدون وهم يعطون الخير، ويرسمون الفرحة في وجوه الناس، ويزيلون الهم والغم من على وجوههم، ويشاركونهم الأفراح، ويقاسمونهم الأتراح.

حقاً إنه الحب الحقيقي الذي يجعل من يحمله في جوانحه، زهرة فوّاحة لا تعرف الذبول، تنفح أريجها وعبقها ليل نهار، دون أن تختار من يتنسم هذا العبق، ودون أن تمنع أحداً من اشتمامه، وكلما تعطّر الناس بأريجها، ظلت ريّانة يزداد عبقها فواحاً وتنثر عبيرها بين الأنام دونما حدود.

سفراء الحب - دائماً - ينظرون إلى السعادة من خلال اقتسامها مع الآخرين، ولا يذوّقون للدنيا طعماً ولا للرفاه معنى إذا حرم منه بقية الناس، بل يعتقدون أن الحياة تحلو للجميع، وأن ألم الفرد يؤرّق منام المجتمع، وتنسجم مفاهيمهم مع ما جاء به الدين الحنيف من دعوة للحب، ومن الأحاديث الدالة على ذلك، (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

إن سفراء الحب، هم من يصنعون مشاعر الآخرين، ويؤطرونها بهذا الإحساس الرائع الجميل، فهم على ثغرة من قيم المجتمع، ومشاعره ووجدانه، يسهمون في صياغة القيم الإنسانية من خلال تعميم مشاعرهم النبيلة، وهم يتمتعون بممارسة الحب تجاه بقية الناس، حتى يصبح المجتمع - بموجب هذا السلوك - نسيجاً واحداً، وجسداً واحداً، متوحّد المشاعر والإحاسيس، وهذه فضيلة من الفضائل التي دعا لها الإسلام، (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

هذا الإحساس العميق، الصادق النبيل، يحمله سفراء الحب، سفراء الإنسانية، سفراء العطاء الحقيقي بلا مقابل، من يمنحون الحب، ويتصدقون بالابتسامة والكلمة الطيبة والظن الحسن، والتفاني في خدمة الآخرين، والسعي لقضاء حوائجهم، والذين يتصرفون وفق ما يجيش بدواخلهم، وتفيض به نفوسهم، فهنيئاً لهم هذه السفارة، ونيئاً لهم هذه المنحة الربانية التي يهبها من يحب من عباده، إنها ميزة، سلامة القلب، وطهارة النفس، وسلامة الفطرة، والاستعداد النفسي لممارسة الحب قولاً وعملاً ومنهجاً وسلوكاً، فهل يمكنك أن تكون سفيراً للحب؟




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد