Al Jazirah NewsPaper Tuesday  04/08/2009 G Issue 13459
الثلاثاء 13 شعبان 1430   العدد  13459

إضاءات من الزفاف الجماعي
محمد بن صالح بن سليمان الخزيم

 

الزواج فطرة إنسانية وسنة ربانية جبلت النفوس على حبها (حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء) {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}.

في الزواج استكمال المرء الفطري وفيه البناء الأسري في الحديث: (إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي).

إنه سنة الأنبياء ومسلك العظماء من تركه قل شأنه وضعف سلطانه، فسبحان من زرع أركانه وأعظم شأنه.

وإن العاقل ليفرح بما يشاهده من زيجات ويأنس بكثرتها هذه الأيام لما فيها من تحصين الفروج وإعفاف عن الفضول.

وكم من شاب يتطلع إلى ليلة (العمر) تحدثه نفسه إياها، يشدو عند ذكراها، ويأنس بوصفها، إنها ليلة الزفاف وليلة العفاف والالتفاف، فيها يكرم غاية الكرم وينزل منزلة الأمير في الاحترام والتقدير، صاحبها كلامه مسموع وذكره مرفوع وقد قيل (العريس أمير).

وبهذه المناسبة أحسنت لجنة تيسير الزواج بالبكيرية في إقامة حفل الزفاف الجماعي بما مجموعه ستون شاباً وشابة، تحت رعاية مؤسسة آل إبراهيم ذات اليد الطولى في الإعفاف والتحصين، فأكرم به من حفل مميز مع حسن ترتيب وتنظيم، وما إن تم الاستعداد والإعداد حتى توافد ضيوف الأزواج يصحبهم التقدير والترحيب.

أرادوا بحضورهم إجابة الدعوة وتحقيق الألفة، وغرس المحبة، وجمع الكلمة. مع ما فيه من حظ لفتيان البلدة من امتطاء طريق الفطرة، وغض النظرة (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج)، يتقدم هذا الحشد المبارك من المدعوين محافظ البكيرية ورئيس المحكمة وأصحاب الشأن الآخرين.

وتأتي هذه المناسبة في وقت ادلهمت فيه الخطوب وتفتحت أبواب الفتن في الشعاب والسهول، وتعددت المغريات فأصبح الشاب أمام موج جارف لا يحد من جريانه إلا هذا المبدأ الرباني والسنة النبوية (فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج).

وما إن اكتمل المدعوون واصطف الحاضرون وتمت بهم اللحمة حتى أقبلت كوكبة من الشباب تتلألأ أسارير وجوههم كأنهم عقد انتظمت خرزاته، اكتسوا البياض، وتزينوا بمشالح الرجال المزركشة بنسيج الجمال، اصطفوا عن اليمين والشمال، وقد أحاط بهم أهل البلاد. تزفهم أياديهم وترعاهم أعينهم. جميعهم لهم مباركين وبالدعاء مبتهلين يرددون: (بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير).

إنها دعوات في النكاح تعظم بها النعمة، وتؤمل فيها السلامة. الغاية من الدعاء الاستجابة لعل الله أن يأدم بينهما، فتدوم المعاشرة. فهدف النكاح الاستدامة وتكوين أسرة ذات هدف وغاية.

ولاشك أن دعوة نبوية خير من نسج كلمات عقيمة أمثال (بالرفاء والبنين) فهي دعوة جاهلية.

وهذه الليلة ليلة فرح وابتسامة، وأحاديث رنانة، يباح في ليلتها ما لا يباح في غيرها من ضرب بالدف، وغناء عفة وأهازيج فرح.

قال - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها - لما زفت امرأة إلى رجل من الأنصار: (يا عائشة ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو؟). وفي رواية: (فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت تقول ماذا؟ قال: تقول:

أتيناكم أتيناكم

فحيونا نحييكم

لولا الذهب الأحمر

ما حلت بواديكم

لولا الحنطة السمراء

ما سمنت عذاريكم

إن ليلة (العمر) وقعها في النفوس عظيم وأثرها يدوم فلا يكاد ينساها من أنس بها.

وقد قيل:

يوم القيامة لا مال ولا ولد

وضمة القبر تنسى ليلة العرس

كم ظهر في هذا الاحتفال من تلاحم وتعاضد بل هي صورة مشرقة لبناء بيوتات عزيزة ذات طمأنينة وسكينة، إنه هدف نبيل يقصده أهل العقول الصحيحة والافهام السليمة.

ويأتي هذا الزفاف ضمن منظومة من الزيجات الجماعية التي برزت حديثاً لتخفيف أعباء الزواج وتيسير أموره، مع الهدف الأسمى في تحصين الشباب وإعفاف الفتيات وإقامة أسر شعارها السعادة والسرور. فهنيئاً للأزواج عفافهم وللرعاة بذلهم وعطاءهم ومنالهم الدعاء وجميل الثناء، في الحديث: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تستطيعوا أن تكافئوه فادعوا له حتى تعلموا أنكم كافأتموه).

إنها رسالة إلى كل موسر كريم بالمشاركة في إعفاف شباب أمته (الدال على الخير كفاعله) وغض أبصارهم عن محارم ربهم، فبالقليل يتحقق الكثير مع ما فيه من إدخال الفرح والسرور على كثير من أهل البيوت، ولا تغفل عن جانب المساعدة والمناصرة فإنه هدي نبوي وسنة متبعة فقد كانت وليمة زوجته صفية حَيْساً أتى به الصحابة إجابة لقوله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل في صفية: (من كان عنده شيء فليجئ به) فجاءوا بالسمن والتمر والأقط فصنعوا حيساً.

وبعد هذا فإن الرسالة إلى هؤلاء العرسان ذكوراً وإناثاً واجبة وحقهم علينا التوجيه والإرشاد، فالواجب عليهم الدعاء بالتوفيق وسؤال العون والتسديد لأنه بعقد القران تتكون رعية أسرة ذات مسؤولية ومع هذا فإن فيها راحة وطمأنينة (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها)، وهذه الرعية حقها القيام عليها وحسن توجيهها ورعاية شؤونها من غير حيف أو تقصير.

واحذر المعاشرة السيئة فإنها رأس كل بلية، والتزم معاشرة المعروف تدرك المألوف وتدوم الحياة الزوجية.

وأعلم أن التغافل عن بعض الأمور صفة محمودة، شأنه عظيم، وأهله في راحة بال واطمئنان، فتزين به تكن من أهله.

قال الشاعر:

ليس الغبي بسيد في قومه

لكن سيد قومه المتغابي

في الحديث: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر).

وإياك وتصيد الزلات والهفوات، وقد قيل: من كثر عتابه قل شأنه.

إذا كنت في كل الأمور معاتباً

صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

لأن مثل هذا العمل يصنع الجدال ويبتر الوصال. قال لقمان لابنه: (إذا أراد الله بقوم سوءا سلط عليهم الجدل وقلة العمل).

وحسن المظهر وجميل الملبس مجلبة للتآلف وهو حق للزوج على زوجته كما هو حق للزوجة على زوجها (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف).

وفي حسن التدبير وصدق التعبير يدرك بهما المرء ما لا يدركه مع الفظاظة والغلظة، وقد قيل: (البر شيء هين، وجه طليق وكلام لين).

ولا بد من اللطف مع الأهل وشيء من الممازحة لإضفاء الأنس على النفوس، قيل للحجاج: أيمازح الأمير أهله؟ قال: ما تروني إلا شيطاناً والله لربما قبّلت أخمص إحداهن).

والحياة الزوجية مهما بلغت سعادتها لن تخلو مما يكدر صفوها ويعكر جوها، ولكن بالمبادرة في المعالجة وحسن المصالحة تزول المنغصات قال أبو الدرداء لزوجته: إذا غضبت فأرضيني وإذا أغضبتك سأرضيك وإلا لم نصطحب).

ولا تظن أيها الشاب أن قفص الحياة الزوجية أنس دائم وسعادة أبدية، فإذا كان المربي الأول لم تصفو له الحياة فكيف بنا، فارض بما قسم الله لك.

طبعت على كدر وأنت تريدها

صفواً من الأكدار والأقدار

وأخيراً أحمد الله على أن وفقك للنكاح وأتمه عليك وهداك لزوجة صالحة تعينك في مستقبل أيامك، فمن وفق للزوجة الصالحة فازت يداه، في الحديث: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة إن نظر إليها سرته وإن أمرها أطاعته وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله) فاظفر بذات الدين تربت يداك، والله الموفق.

-مدير المعهد العلمي بالبكيرية


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد