أوصى الإسلام بالجار وأعلى من قدره ورفع مكانته. فالجار في دين الإسلام له حرمة مصونة وحقوق كثيرة لم تعرفها قوانين الأخلاق ولا شرائع البشر.
|
ولقد بلغ من عظم حق الجار أن قرن الله تعالى حق الجار بعبادته وتوحيده -تبارك وتعالى- وبالإحسان إلى الوالدين واليتامى والأرحام. قال تعالى في آية الحقوق العشرة {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}.
|
وأما السنة النبوية فقد استفاضت نصوصها في بيان رعاية حقوق الجار والوصاية به وصيانة عرضه والحفاظ على شرفه وستر عورته وسد خلته وغض البصر عن محارمه والبعد عن ما يريبه ويسيء إليه. قال صلى الله عليه وسلم (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) متفق عليه.
|
كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإكرام الجيران وتعاهدهم والإحسان إليهم، والحذر من إيذائهم كون ذلك من كبائر الذنوب وعظائم الخطايا التي حذر منها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) متفق عليه.
|
ولا شك أن حفظ الجار وكسب وده من مكارم الأخلاق التي دعا إليها الإسلام ورغب فيها وحض عليها. إذ نمى هذا الخلق النبيل في المسلمين. وحشد تلك النصوص الضخمة في رعاية الجار وصيانة عرضه والحفاظ على شرفه وستر عورته وسد خلته وغض البصر عن محارمه والبعد عن كل ما يريبه ويسيء إليه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره) رواه أحمد.
|
وما نراه اليوم من جفوة بين الجيران وخصومات وسوء عشرة وعداوة في بعض الأحيان ما هو إلا نتاج قلة الديانة والجهل بحقوق الجار في شريعة الإسلام.
|
ويا لله العجب من أناس جعلوا إيذاء الجار من أهون الأمور على أنفسهم، فتراهم لا يقيمون للجار وزناً، ولا يراعون له شعوراً، ولا يحفظون له حرمة. وكأن الشريعة قد جاءت بالحث على إيذائه وترويعه والاعتداء عليه.
|
فكم من أناس تركوا ديارهم بسبب جيرانهم!
|
وكم من أناس باعوا بيوتهم بسبب جيرانهم!
|
وكم من أناس بكوا وسالت دموعهم بسبب ظلم جيرانهم!
|
وكم من أناس رفعوا أكف الضراعة أن يخلصهم من أذى جيرانهم.. والموعد الله جل وعلا.
|
يلومونني أن بعت بالرخص منزلاً |
ولم يعرفوا جاراً هناك ينغص |
فقلت لهم: كفوا الملام فإنها |
بجيرانها تغلو الديار وترخص |
ومن الناس من لا هم له إلا خاصة نفسه وما عدا ذلك لا يعنيه بشيء، ففرح الناس وحزنهم لا يشغلان حيزاً من تفكيره، وتلك آفة سيئة وأثرة قبيحة، وهي من الجيران أسوأ وأقبح. فالجار الصالح من يُعنى بشؤون جيرانه، فيشاطرهم الأفراح ويشاركهم الأتراح، فإن ذلك دليل الإيمان وآية المروءة، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.
|
ألا وإن من حق الجار إكرامه وكف الأذى عنه والصبر على أذاه. وأن الكرام يقضون حق الجيرة ويصبرون على ما يأتيهم من أذى الجار. ولا ريب أن الصبر على أذى الجار محمود مرغب فيه إذا لم يترتب عليه هوان أو مذلة.
|
ولكن قد يبتلى الإنسان بجار سوء يعز علاجه ويتعذر استصلاحه. ولا ريب أن جار السوء من البلاء ومما يتعوذ منه. لذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقام فإن جار الدنيا يتحول) رواه البخاري.
|
وبهذا يتبين أن إيذاء الجار والإساءة إليه قد يكون سبباً للعنة الله تعالى ودخول النار -والعياذ بالله- قال رجل: يا رسول الله إن فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها. قال (هي في النار). رواه أحمد.
|
فلا تعرض نفسك لهذا المصير، وقف حيث وقف الصالحون، واحفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجار.
|
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الحافظين لحقوق الجار المراعين لحرمته الموفين بعهده. والله المستعان.
|
|