Al Jazirah NewsPaper Tuesday  11/08/2009 G Issue 13466
الثلاثاء 20 شعبان 1430   العدد  13466
سوق الأسهم وبركة المضاربين!
فضل بن سعد البوعينين

 

زاد الله فضيلة الشيخ الدكتور سعود الشريم، إمام وخطيب المسجد الحرام، علماً وخشوعاً.. خطب فأبدع، ونصح فأجزل، وبَكَى فأبكى الجموع.. كعادته، لا يترك شاردة ولا واردة إلا أتى عليها بعلمه الغزير، وبيانه النقي معبَّقاً بالخشوع والصدق والمحبة الخالصة، نحسبه كذلك والله حسيبه.

تحدث الشيخ الشريم عن البركة وأوضح أنها (ليست في وفرة المال ولا سطوة الجاه ولا كثرة الولد ولا في العلم المادي.. وإنما البركة هي قيمة معنوية لا تُرى بالعين المجردة ولا تُقاس بالكم ولا تحويها الخزائن، بل هي شعور إيجابي يشعر به الإنسان بين جوانحه فيثمر عنه صفاء نفسٍ وطمأنينة قلبٍ وانشراح صدرٍ وقناعةٍ ظاهرةٍ ورضا آمن)، وأضاف، غفر الله له، (إن غالبية الناس يعانون قلة البركة في معاشهم العام والخاص فيرون أنهم في عالم الوفرة وتقريب البعيد وتسهيل الصعب فهذا كثير راتبه ولا بركة فيه، وهذا كثير ولده ولا بركة فيهم وآخر واسع علمه ولا بركة فيه ولا نفعاً).

بعد سماعي خطبة الشيخ الشريم أعدت شريط أحداث سوق الأسهم السعودية.

سوق كثر فيها الغش والتدليس، وبات الإضرار بصغار المستثمرين ديدن الباحثين عن الثروة، والربح السريع.. سوق بُخِّست فيها أسعار الأسهم القيادية، المنتجة، وضُخِّمت فيها أسعار الأسهم الخاسرة، أو تلك التي ما زالت حبراً على ورق، لم تبدأ مرحلة تحقيق الربح، وعلى رأسها شركات التأمين التي باتت تُشكِّل الفقاعة الجديدة في سوق المال السعودية.

سوق قادها المتعاملون ببيوع (النجش) فأوصلوها إلى مستويات 21.000 نقطة ثم تركوها تنهار على رؤوس المتداولين.. جمعوا الأموال وظنوا أنهم الرابحون، ونسوا أن أرباحهم ليست إلا أرقاماً مرصودة في حسابات مصرفية ما لبثت أن تبخرت في الأسواق العالمية نتيجة الانهيارات الأخيرة.. لم ينج من أولئك إلا من بارك الله لهم في مالهم وأرباحهم التي أداروها بما يرضيه، سبحانه وتعالى.

لو تتبع بعض كبار المضاربين، ومن دار في فلكهم، البركة بتقوى الله عز وجل، لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من خسائر موجعة، ولما تسببوا في انهيار السوق.

تُنفق الدولة مئات المليارات لدعم قطاعات الإنتاج، ولضمان الودائع، ولضمان استمرار التنمية التي لا يمكن للأسواق العيش دونها، وبدلاً من أن يتجاوب صنَّاع السوق إيجاباً مع الجهود الحكومية المميزة، نجدهم يتسابقون لتحقيق الاستفادة الوقتية والفردية من أدوات العلاج، التي خُطط لها أن تكون الوقود الأولي لدفع عربة الاقتصاد بما فيها السوق إلى الإمام تحقيقاً لمصالح المجتمع.. يتجاهلون قوة الاقتصاد، وخطط البناء، ومسؤوليتهم الدينية والوطنية، ويتعاملون بسلبية مع سوقهم المحلية، في الوقت الذي يتهافتون فيه على أسواق المال الغربية التي أصدرت شهادات إفلاس شركاتها بعد أن استحوذت على استثماراتهم المالية.

لو تكاتف الجميع لتحقيق المصالح الوطنية كما خطط لها ولي الأمر، حفظه الله، وجعلوا نصب أعينهم دعم الاقتصاد الوطني وحمايته، ودعم السوق وحفظها من الانزلاق إلى مستنقعات الانهيار، وحافظوا على تنقية تعاملاتهم مما يضر بالمتداولين، ويغضب الله، لكان ذاك مدعاة لجلب البركة، وزيادة الخير والنماء في سوقٍ عجزت حتى الآن عن معاودة النهوض من عثرتها على رغم الخير الكثير، والمال الوفير، والدعم القوي الذي تجده من ولاة الأمر.

ابحثوا عن (البركة) يا أرباب المال والأعمال، وستجدونها في تقوى الله عز وجل، وفي تحقيق مبدأ التكافل وحب الخير، والبحث عن الأرباح النقية التي تضمن، بإذن الله، الخير والبركة لأصحابها، وللسوق والمجتمع، أو كما جاء في خطبة الشيخ الشريم من أن جماع البركة يحصل في: تقوى الله، وشكر النعم، والكسب الحلال.

نتمنى على فضيلة الشيخ الدكتور سعود الشريم أن يُلحِق خطبته الأولى عن (البركة) بخطبة أخرى عن سوق الأسهم، فلعل الله أن يلين بقوله القلوب، ويبارك في كلماتهِ فيعافي بها أهل الذنوب، ويعالج بنصحه الخطوب التي لم تترك بيتا آمناً إلا غشيته.. والله المستعان.

* * *

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد