Al Jazirah NewsPaper Wednesday  12/08/2009 G Issue 13467
الاربعاء 21 شعبان 1430   العدد  13467
مركاز
خلط الأوراق (2)
حسين علي حسين

 

لعل واحدة من الدول الاشتراكية العربية بدأت تلاحظ مؤشرات التذمر لدى مواطنيها ففتحت سوبر ماركت أسوة بالدول الرأسمالية شهد طوابير متتالية من الناس وكأنه ملعب لكرة القدم! وكانت هذه الدولة حتى وقت قريب تفتقر إلى البنوك التجارية عدا بنك الفلاح، والمواطن إذا أراد السفر للسياحة أو العلاج أو الدراسة تعطيه مصروف الجيب وتأشيرة خروج وعودة، وهو إذا خرج عن الخط المرسوم يتحول إلى كلب ضال يجوز حصده أو تسميمه في أي مكان خارج الوطن!

وفي العادة فإن قادة الدول الاشتراكية لا يعيرون اهتماماً للمنازل والقصور الأثرية؛ فحالما تصادر هذه المنازل توزع على الضباط والجنود، وربما حول بعضها إلى مدارس ومراكز شرطة ودواوين، وتكثر في هذه الدول ما يعرف بالمعلبات السكنية توزعها الدولة الأبوية مجاناً على أبنائها، وهي عبارة عن مبان متراصة، تفتقر لأدنى مقومات الذوق المعماري مثل التهوية والضوء والشوارع.. معلبات تتحول بعد مدة إلى بؤر للحشرات والفئران.. وفي هذه الدول غالباً لا صوت يعلو على صوت الزعيم، حتى تحولت السجون إلى مساكن دائمة، لمن ينتقد مصانع أو معامل الدولة، أما من يصل إليه ويدخل إلى التنظير السياسي حول نظام أو تداول السلطة فإنه في العادة لا يرى النور، وما زالت بعض الدول تحتفظ بسجنائها في أماكن آمنة منذ تغير الحكم من الرأسمالية إلى الاشتراكية!

وقد انفتحت طاقة جهنم في الدول التي تحولت من الاشتراكية إلى الرأسمالية؛ فقد كثرت الجرائم، وتضاعفت الأسعار، وتفشت الدعارة، وكثرت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ولم تعد هذه الدول إلى التماسك إلا بعد سنوات عصيبة وقاسية، وهي صدمة حضارية غالباً ما تصيب من يخرج من الظلمات إلى النور فجأة، كما حدث في دول أوروبا الشرقية وروسيا وغيرها من الدول العربية والإفريقية! ورغم غروب شمس الاشتراكية إلا أن هناك دولاً قليلة ما زالت تعتقد بجدواها، وهي قانعة بمنع المواطنين من السكن في الفنادق المحلية، وبتوزيع التموين عليهم بالبطاقة. من الذي صرف الاشتراكية عن أهدافها وحولها إلى نظام أبوي قاس أشاع الفقر وحجر على الإبداع وحرية التفكير والحركة؟ أنهم العسكر الذين أخذوا أفضل ما في النظرية لأنفسهم وأعطوا أسوأ ما فيها للشعب.

ونحن نعيش في عصر تدفق المعلومات والأموال والخبرات، ندرك أن من مزايا الرأسمالية أنها قادرة على تغيير جلدها، ومن مساوئها أنها قادرة على النهب وبقوة السلاح والمال والعقل، ومن مساوئ الاشتراكية أنها لا تستطيع تغيير جلدها حتى يتشقق أو ينسلخ، ولديها قدرة فائقة على التهام أبنائها قبل أبناء الجيران، وإذا لم تلتهمهم فإنها تلطخ سمعتهم حتى يموتوا مكللين بالعار!

إننا الآن في طريقنا إلى خلطة جديدة بعد أن تفاقمت المآسي: مآسي الحريات والاقتصاد والاحتباس الحراري والأمراض وانقراض الطبقات الوسطى وأزمة المياه.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد