Al Jazirah NewsPaper Wednesday  12/08/2009 G Issue 13467
الاربعاء 21 شعبان 1430   العدد  13467

لا تصدقوا ما سمعتم
مهدي العبار العنزي

 

اهتم الإسلام بتربية العقل في إطار إعداد الإنسان للخلافة في الأرض، ووضع الإسلام لذلك المنهج الصحيح واستخدم في سبيل تحقيق ذلك أنسب الطرق والوسائل، وكان هدف الإسلام تنمية قدرة العقل على التفكير السليم واستغلال طاقته في الإبداع والابتكار.

وقد اهتم الإسلام بالحواس لأن معطياتها تشكل عنصراً أساسياً من عناصر المعرفة الإنسانية!!

وأعطى القرآن الكريم الحواس قدراً من الثقة ونبه إلى قيمتها في حشد هائل من الآيات، وقد ذكر القرآن (الأذن) وهي جهاز الإحساس في حاسة السمع في ثمانية عشر موضعاً، وذكر حاسة السمع في مائة وسبعين آية.

من هنا يتضح للإنسان قدرة البارئ المصور - جل وعلا - في خلقه للإنسان وأنه هو الواحد الأحد القادر على كل شيء، قال تعالى: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. إن حاسة السمع نعمة من نعم الله على خلقه، فعلى الإنسان المدرك الواعي أن يقدر قيمة هذه الحاسة، وأن يكون حريصاً على المحافظة عليها، فالباري - جل شأنه - هو المسؤول عن السمع والبصر وعن كل شيء في الأرض والسماء.

لهذا فإنه لا ينبغي أن تكون آذاننا صاغية مصدقة لكل ما نسمع، فرسول الأمة - صلى الله عليه وسلم - قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، والتصديق بالشيء يعتبر إيمانا بحدوثه، وفي هذا العصر كثرت الأقاويل وانتشرت الإشاعات وأصبح الكلام أكثر بكثير من الفعل، فالمتتبع لوسائل الإعلام وأحاديث البشر حول القضايا المعاصرة في العالم يدرك أن الكلام الذي لا يتحدث عن الواقع والصدق والأمانة يجب على العاقل ترك نصفه: فما بالك عندما تسمع كلاماً من غير العقلاء أليس الأولى بنا أن نتركه كله وألا نتعامل معه كحقيقة!!

وفي المجالس يكثر الحديث عن أمور كثيرة لها علاقة بالحياة اليومية وكل متحدث يدلي بدلوه في الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهناك من يستمع ويصدق وكل هذه الأمور حتى لو تم تصديقها فإنها أقل ضرراً على الإنسان من الإشاعة التي يروجها كثيراً من الناس ظناً منهم أنها نافعة للمجتمع، وهم لم يدركوا خطورتها وما تخلفه من آثار سلبية على الفرد والأسرة. لقد انهزمت جيوش جرارة بسبب الإشاعة وتصديقها وتهدمت بيوت بسبب القيل والقال والتصديق به، وقد بين الله تعالى أن يكون الإنسان متبيناً متثبتاً من الحقيقة فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.

ومن القواعد المقررة أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح، فإنه من الواجب ألا نصدق كل ما نسمع، فكثير مما نسمعه لا يمت للحقائق بصلة، وعلينا أن نسمع ونتدبر قول الله - جل شأنه - وأحاديث نبيه المصطفى - عليه الصلاة والسلام - لأن في ذلك الفائدة الكبرى في الدارين الأولى والآخرة، إنه أفضل من الخوض في أعراض الناس والتحدث عن عوراتهم بدون مراقبة الله.

ألم يعلم هؤلاء أن الإسلام حث على عفة اللسان وتنقية العقل من الحسد والبغض: قال الشاعر:

لسانك لا تذكر به عورة امرئ

فكلك عورات وللناس ألسن

نسأل الله أن يهدي كل من ضل الطريق وأصبحت مهنته تصديق كل ما يسمع دون وعي وإدراك وتمييز، وبالتالي نؤكد أنه لا يصلح مجتمع أبداً بدون عقل وبدون إنصاف.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد