Al Jazirah NewsPaper Sunday  16/08/2009 G Issue 13471
الأحد 25 شعبان 1430   العدد  13471
العبقرية مجد العقل
د. عبد المحسن بن عبد الله التويجري

 

يتشابه الناس فيما بينهم في العام من الصفات، ويختص البعض بما يعدُّ من الصفات الخاصة والخاصة جداً. فقدرة العقل تتميز تبعاً للصفات، مثل الذاكرة وقدرة التذكر، بمعنى القدرة على استدعاء ما هو مخزون في الذاكرة.

ومن الصفات أيضاً الإرادة والإصرار والقدرة على التحدي.....

..... والخيال والفهم والإبداع فالإنجاز والإتقان وكثير من الصفات الأخرى.

إنها مجموعة من الصفات تتباين بين الناس، وفي مجموعها بتميز تأتي بمحصلة تشكل شخصية العبقري. وقد تتوفر في شخص واحد كل الصفات ونصيب الآخر بعض منها، ويحدث أن هذه الصفات توجد بمقدار يتجاوز صفة العبقري ليصل إلى مرحلة الشذوذ (الشذوذ في نطاق الصفات) فتأخذه إلى مستوى آخر يعرف بالتفرد ليملك من الصفات حالاً غير مألوفة بالمقاييس المتعارف عليها، فقد يحسبه البعض حكيماً نافذ البصيرة وقد يراه البعض الآخر في حال هي أقرب إلى الجنون. فالأحكام في حالة من التضاد والتباين، وقد يفصل بين هذا وذاك من هو نافذ البصيرة المتمكن بفكره ورؤيته في معرفة الحد الفاصل ولديه خبرة وتجربة مع حالات مشابهة ليفصل بين ما هو صحيح وما هو زائف.

وقد يقف البعض الآخر من ذلك منبهراً أمام هذه الحالة التي تداخلت فيها أشياء بأشياء، فيراها الآخر شطحات مبهمة الغامض منها غالب على غيره. أما حالة التفرد فهي صفة نادرة وهي من قسمين: القسم الأول يعتبر صحياً، والقسم الثاني يعتبر مرضياً، ومن يعتمد على رؤية وحكم من السطح وعلى السطح في حالة التفرد سيرى أنه أمام معجزة، والتفرد يكاد أن يكون محصوراً وقليلاً من يتصف به. إن العباقرة في مجتمعهم يعلو بهم المكان ليكونوا في قمته بما تزخر به خواطرهم وتفصح عنه أفكارهم من نظرات بعيدة لا يلحق بها بعض أفراد مجتمعهم، وهم من يفسر كثيراً من ظواهر وحقائق وألغاز ما في الكون النفسي والكون الكبير بتداخله وطلاسم محتواه.

كثير من الناس شركاء وجود مع العباقرة لكن بؤرة البصيرة لديهم لا ترى ولا تدرك ما يراه العباقرة. ومن هؤلاء العباقرة من يخالطه شيء من التعالي أو بعض من الغرور، وفئة أخرى منهم مع الناس دون تكبر أو تعال، وكل هؤلاء هم من يقرأ كثيراً من ألغاز وشطحات العقل وما هو موجود في كون الله الكبير. ونتاجهم حصيلة فكر وتأمل نحو الأشمل من الأشياء، ومحصلة كل تأمل وتفكر زاد للفكر في تأملات الناس حين يتصدى لأمر يفسره أو يحاول تحليل مجاهله، كما أن بعضاً من الحصيلة نور يضيء ما اشتد ظلامه لدى سائر الناس حيث يحاولون أن يدفعوا بالبصيرة لتجول في كون النفس وكل ما في الكون من موجود خلقه الله.

وعلى مدى الحياة، والأسئلة تلحّ بتزايد وكثرة يطرحها الإنسان لتلاحق المجهول، وكان للفلاسفة والحكماء والعلماء من كل عصر دور تراكمت نتائجه كمصدر ومرجع لمن أرهقه السؤال، والعباقرة بميزة الدين الإسلامي ومتى أشرق الفكر منهم يتأكد. إن رصيد الأمة الإسلامية وفق المنهاج القرآني من الهدي نور للمسيرة وحكمة له يتميز بها الوجود. إن قمة الذخائر مصدرها نور الهدي الرباني الذي يوجه النفس والعقل إلى كل خير في الدنيا وفق حكمة وعلم العزيز الجليل. ولقد وجه المنهاج القرآني نحو التأمل والتفكر حين قال سبحانه {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}. والله الموفق.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد