Al Jazirah NewsPaper Wednesday  19/08/2009 G Issue 13474
الاربعاء 28 شعبان 1430   العدد  13474
لن يكفيهم أن تكون معتدلاً
فهد الحوشاني

 

تقف على الرصيف مؤثراً الابتعاد عن ساحة المعركة التي يشتد (وطيسها) ورغم أنك مبتعد إلا أن كميات لا بأس بها من الغبار المتطاير تصل إلى حلقك تتكدس أكواماً مختلفة الأحجام في دهاليز أنفك حتى تشعر بأنه قد تضخمت لديك (اللحمية) من جديد! المعركة قريبة ولا ضرورة لتسحب منظارك المكبر من جرابه لتستطلع الأمر، فبالعين المجردة يمكن لك أن تشاهد الحدث، صراع و صراخ عال جداً يكاد يصم الآذان تطلقه الفئات المتناحرة لا يمكن قياسه حتى بوحدة (الديسبل)! أحدهم يصرخ أيها العلماني الحداثي يرد عليه الآخر أيها الأصولي المتطرف المتشدد.. آخر يرد أنت متأمرك نسبة إلى (أمريكا)، بل متأسرل (نسبة إلى إسرائيل)! يرد آخر عليه يا متطلبن! بعد تلك الصيحات الافتتاحية (المقبلات) يبدأ الهجوم يبدو أن فئة تكاد أن تسحق الأخرى هجوم يعقبه عدد من الهجمات المرتدة يمكن رصدها! الأيدي تتشابك يقتربون منك يصعدون على الرصيف الذي هربت إليه خوفاً من لعبة الموت والإقصاء التي يلعبونها بلا ملل! الآن أقدامهم تدوس على قدميك وأيديهم تمتد فوق رأسك تتاشبك الأيدي وها هو كوع أحدهم يستقر في هامتك تدور بك الأرض رغم أنها تدور منذ أن خلقها الله إلا أنك لأول مرة تتأكد من ذلك عملياً! قدرك أنك هنا في هذا الشارع الذي لا يخلو من صراع (الفتوات) الكل يحاول السيطرة على الشارع يضع متاريسه وحواجزه..

الحمد لله الآن الوقت (بين الشوطين) راحة لجميع الفرق.. توقف الغبار بدأت الرؤية تعود إلى عينيك.. ها هم يركبون سيارتهم (الأمريكيه) الفارهة يعودون أدارجهم ينتظرون أن يدق الجرس ليمارسوا متعة الصراع فيما بينهم وحرب الكراسي المعلقة بين السماء والأرض!

إذا كنت (معتدل) القامة فلن تكون كذلك بالنسبة لإحدى الفئتين، لن تراك عيونهم كذلك سيحاولون أن يجدوا اعوجاجاً فيك، الاعتدال الحقيقي بالنسبة لهم أن تكون معهم لا أن تكون محايداً، في هذا العالم الجديد لا يكفي أن تكون في الوسط يجب أن تكون ضد أو مع، هذا هو المنهج الفكري الجديد أو القديم الذي تم إعادة تدويره من جديد بفعالية أكبر بعد أن تم وضع (ماطور) أمريكي له! بعد كل ذلك عليك أن تجر نفساً ثم آخر تتنهد ببطء فقد تبيّن لك أن العالم يتغيّر للأسوأ، الفكر العنيف هو سلاح الدمار الشامل الذي بدأ ينتشر استخدامه الآن وهو رخيص الثمن ومهيأ للجميع أن يحصلوا عليه، بل يستخدمونه ضد أفكار الآخرين وفيما بعد ضد حرياتهم وأجسامهم.. غاية الألم أن تفتح عينيك صباحاً فتسمع تدريبات وهمهمات لبدء الصراع بين فئتين أو أكثر كل منهما يريد أن يقضي على الآخر وكأن تلك هي مهمتهم في الحياة!! لكنهم قبل أن يقضوا على بعضهم البعض و(نرتاح منهم) فالواضح أنهم قضوا أو كادوا على استمتاعنا بحياة هادئة!!



alhoshanei@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد