يستقبل المسلمون شهر رمضان بكل شوق وتلهف إلى صيامه وقيامه، فهو خير الشهور، فيه تضاعف الحسنات وتكفر السيئات، يتنافس العباد فيه بأنواع الطاعات راجين من الله الثواب.
وهذه حال المؤمن الذي يعرف لرمضان فضله وعظيم أجره. ولا شك أن دخول هذا الشهر الكريم حدث عظيم له أثره على الفرد والمجتمع، فلرمضان روحانية خاصة تغير مسار الحياة إلى الأفضل. لأنه شهر البر والصلة والعطف والرحمة، وشهر الصبر والمغفرة. كيف لا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رغم أنف من أدركه رمضان فلم يغفر له)، وقال (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه).
وبعد هذه التوطئة لبيان فضل رمضان وفضل العمل الصالح فيه، فإن هذا الحدث الزماني محل اهتمام كثير من القنوات الفضائية والصحف المحلية، بل يبرز فيه عامل التنافس الإعلامي أكثر من غيره. فما حال الإعلام في رمضان؟
لا شك أن كل حدث زماني أو مكاني يجد الإعلام فيه متنفساً لبرامجه وأنشطته الإعلامية ما بين مشرق ومغرب. وكلها جهود إعلامية تفرضها طبيعة البث الإعلامي للقناة. وتعطي صورة واضحة للتوجه الذي تسير عليه وتهدف إليه، مع وجود الفارق الكبير بين تلك القنوات في موقفها من الشهر الكريم، حسب ما تراه مجدياً على حد زعمها.
ونحن نعلم أن شهر رمضان شهر عبادة. وهذا يؤكد أن يكون توجه القناة الفضائية محققاً لهذا الهدف وحاثاً على التزود منه. فيكون تركيز القناة على البرامج الدينية أكثر من غيرها، مراعاة لشرف الزمان وحال الصائمين. وتعنى بنقل الشعائر الدينية كصلاة التراويح والقيام وبثها على الهواء مباشرة، كما تفعله بعض القنوات، إضافة إلى ما يتبع ذلك من برامج وفتاوى خاصة برمضان.
ولكن - مع الأسف الشديد- نجد البعض الآخر من القنوات في الاتجاه المعاكس الذي جعل من رمضان مرتعاً خصباً للمسلسلات والأفلام، بل وفي تنافس في تقديم ما هو جديد منها. وتأخذ الدعايات الإعلانية حظاً أوفر لهذه المسلسلات قبل دخول الشهر بوقت كاف، وكأن رمضان موسم لها. فهل أصاب هذا النوع من الإعلام الفضائي حقيقة استقبال رمضان؟ هل عرف هؤلاء الإعلاميون حقيقة الصيام وشرف زمانه، حتى يستقبل بمثل هذا؟
هل يريدون بتلك المسلسلات أن يطفئوا وهج الصيام وروحانيته في نفوس الصائمين؟ لماذا يخص رمضان بالكم الهائل من تلك التمثيليات والأفلام والمسرحيات؟ ولكن الانفتاح الفضائي على العالم له أثره في بث ما يصنعه الإعلام تبعاً للكسب المادي قبل كل شيء دون النظر إلى حال الزمان والمكان.
ثم هل فكرت تلك القنوات في الأثر السلبي الذي تتركه هذه البرامج في نفوس أبنائنا وبناتنا حين يميلون إلى متابعة المسلسلات في وقت هم فيه أحوج ما يكونون إلى الطاعة ولزوم العبادة.
لقد أفقدتهم تلك الفضائيات الإحساس بروحانية رمضان، وهانت لديهم العبادة بسبب تعلقهم بتلك البرامج التي شغلت أوقات العبادة لديهم حتى ثقلت عليهم.
فعلى القنوات الفضائية التي جندت إمكاناتها في رمضان لهذا النوع من البث الإعلامي أن تعيد النظر فيما تقول وتفعل، ولا تكون عوناً للشيطان على الإنسان، وتقدر لرمضان قدره تقديراً لمشاعر المسلمين، وتوجه إعلامها إلى الإصلاح وبث ما هو نافع ومفيد.
اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.
-المعهد العالي للقضاء