Al Jazirah NewsPaper Thursday  20/08/2009 G Issue 13475
الخميس 29 شعبان 1430   العدد  13475
عبداللطيف.. هكذا عرفته
تركي بنُ عبدالله بنُ سليمان الوكيل

 

الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ نبينا محمد وعلى آلهِ وأصحابهِ وأتباعهِ إلى يومِ الدينِ، الحمدُ للهِ خلقَ الموتَ والحياةَ ليبلوكمْ أيكمْ أحسنُ عملا وهو العزيزُ الحكيمُ..

أما بعدْ..

مَنْ منَّا في هذهِ الحياةِ لمْ يصبْ بقدرٍ مِنْ أقدارِ اللهِ سبحانهُ وتعالى؟؟

مَنْ منَّا في هذهِ الحياةِ مَنْ لنْ تمرَّ بهِ المصائبُ والنوائبُ؟؟

هي أقدارُ اللهِ سبحانهُ وتعالى تمضي على عبادهِ، لا تفرقُ بينَ صغيرٍ أو كبيرٍ، قدِّرَ للإنسانِ خلقهُ ومعيشتهُ وموتهُ وبعثهُ، السعيدُ مَن اغتنمَ حياتهُ في طاعةِ اللهِ، والشقي مَنْ كانَ خلاف ذلك، الموتُ سنةٌ سنها اللهُ سبحانهُ وتعالى بينَ البشرِ والبهائمِ، وأي فردٍ مِنَ الناسِ لا يمكنُ أن يخلو مِنْ خطبٍ ألمَّ بهِ، أو مِنْ قدرٍ مِنْ أقدارِ اللهِ نزلَ عليهِ، أو مِنْ مصيبةٍ مِنْ المصائبِ التفتْ حولهُ، ليسَ الأمرُ غريباً وإنما هي الأيامُ هكذا ليسَ لها بقاءٌ، وهكذا الدنيا ليسَ لها دوامٌ، كمْ فقدنا مِنْ قريبٍ أو حبيبٍ أو صديقٍ عزيزٍ؟؟

هذا مرضهُ أعياهُ وأنهكهُ حتى وافاهُ الأجلُ..

وهذا حادث دهمه وفي لحظتهِ توفاهُ الملكُ..

وهذا نائمٌ وانسلتْ روحهُ مِنْ بينِ كلِ الأنفسِ النائمةِ..

وهذا.. وهذا.. وهذا..

عبداللطيف بن محمد العبداللطيف هذهِ هي حكايتنا وهذهِ هي القصةُ..

رحلةٌ بدأتْ مشوارَ الحياةِ عامَ 1405هـ وانتهتْ بعدَ أنْ أتمتِ الـ 25 عاماً، مَنْ صحبها لمْ يملْ، ومَنْ ركبها فلنْ يكلْ، رحلةٌ لا تجرُ إلى معصيةٍ وتجلبُ الحُسن والحَسن جميعاً..

يقودُ هذهِ الرحلة قلبٌ وضاءٌ يشعُ بنورِ الإيمانِ، وينبضُ بذكرِ الرحمنِ, لهُ أذنانِ ليستا ككلِ أذنٍ، ولهُ عينانِ ليستا ككلِ عينٍ، ولهُ لسانٌ ليسَ ككلِ لسانٍ، له أذنٌ.. مصفاةٌ لكلِ شائبةٍ لا يرضى بها، وعينٌ.. مصباحٌ لا يضيءُ إلا فيما يرضى، ولسانٌ.. ماءٌ عذبٌ لا يسكبهُ إلا في خيرٍ، ولتَعلمْ أنهُ لا يرضى سوى الخيرَ..

عبداللطيف بن محمد العبداللطيف شابٌ في مقتبلِ العمرِ يعملُ في بلديةِ روضةِ سدير يبلغُ مِنَ العمرِ 25 عاماً أعزبُ ولكنهُ بطاعةِ اللهِ مقترنٌ، بارٌ بوالديهِ وهذا ما كنتُ أسمعهُ منهُ وعنهُ، رجلٌ اجتماعي علاقاتهُ معَ جميعِ أطرافِ المجتمعِ، محبوبٌ مِنْ جميعِ الشرائحِ، يحبهُ الصغيرُ قبلَ الكبيرِ، خدومٌ لا يتوانى في تقديمِ أي عملٍ للخيرِ أو عملٍ اجتماعي في أي مجالٍ كان..

خرجَ يومَ الأربعاءِ 14-8-1430هـ إلى نزهةٍ بريةٍ وإلى مكانهِ المحبوبِ ومعشوقهِ القديمِ البر فهو محبٌ ومكثرٌ مِنْ هذهِ النُزهِ الخلويةِ وفي يومِ الخميسِ 15- 8-1430هـ عادَ إلى بلدهِ روضة سدير وفي البوابةِ الرئيسةِ للبلدةِ تعرضَ لحادث انقلاب وكان معه رفيقُ دربهِ عبدالرحمن بن محمد الشبانات، سقطَ عبداللطيف من السيارةِ ووقعَ وبدأَ الدمُ ينزفُ بعدما أحدثَ الانقلابُ فجاً في رأسهِ، تمَّ الاتصالُ على الإسعافِ ولكنْ فاضتْ روحهُ الطاهرةُ وارتفعتْ إلى بارئها وذهبتْ بإذنِ اللهِ إلى الفردوسِ الأعلى، ومما يفرحُ القلبَ ويشرحُ الصدرَ وجههُ الذي كانَ يشعُ بياضاً ويتلألأُ نورا، وسبابتهُ التي كانتْ مرفوعةً، وابتسامتهُ المعهودةُ وللهِ الحمدُ..

عبداللطيف وما أدراكَ ما عبداللطيف..

عبداللطيف الاسم ولطيفٌ مسمى رفيقٌ هينٌ سمحٌ متواضعٌ يمشي مع الصغيرِ ويحنُ عليهِ، ويماشي الكبيرَ ويوقرهُ..

إن قلتَ: في الكرم؟؟ قلتُ: حاتم

إن قلتَ: في الحلم؟؟ قلتُ: الأحنف

إن قلتَ: في الزهد؟؟ قلتُ: الفضيل

إن قلتَ: في العلم؟؟ قلتُ: الشافعي

إن قلتَ: في الامارة؟؟ قلتُ: صلاح

وإن قلتَ: فيهن جميعاً؟؟ قلتُ: عبداللطيف ولا أبالغ..

يقولُ لي وبعد أنْ أغلقتُ الهاتفَ مِنْ والدتي حفظها الله: ((يا تركي والله ما ينفعك في الدنيا غير أمك وطاعتها، احرص أنك ما تضيق صدرها ترى الدنيا في يديها)).

كمْ كنتَ يا عبداللطيف أخاً كبيراً موجهاً، وصديقاً عزيزاً نصوحاً، لا تستغربْ إذا قلتُ لكَ أنَّ كلَّ مَنْ تعرفَ عليهِ أو زاملهُ أو صادقهُ يظنُ أنهُ أحبُ الناسِ إلى عبداللطيف مِنْ حسنِ معاشرتهِ ومصاحبتهِ لهُ، ومِنْ طيبِ معاملتهِ وأخلاقهِ معهُ، لا يجد أحداً حزيناً أو ضائقاً إلا ويسليهِ ويفرّجُ ما بهِ مِنْ كربٍ، ويسعى جاهداً بكلِ ما يستطيعُ إلى أن يراهُ فرحاً مسروراً، والأمثلةُ والقصصُ على ذلكَ كثيرةٌ بيني وبينهُ، أو بينَ أناسٍ آخرين فكمْ مِنْ همٍّ أزاحهُ عني أزاحَ عنهُ اللهُ همَّ الآخرةِ.

ويروي لي أحدُ الاخوةِ الأعزاءِ ((أنهُ في يومٍ مِنَ الأيامِ اتصلَ عليهِ عبداللطيف عندَ الساعةِ الواحدةِ والنصفِ ليلاً فقالَ له: ((فاضي)) يقولُ فقلتُ لهُ: ((نعم فاضي ما عندي شيء)) فقال لي: ((أبجيك وأبروح أنا وأنت لمشوار)) يقول: فجاءَ إليَّ ثمَّ ذهبنا إلى محطةِ فيحاءِ العتش وقامَ بتوزيعِ الأشرطةِ على المارةِ والمسافرين)) ويبغي مِنْ ذلكَ أنْ يشاركهُ أخوهُ الأجرَ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ، عملٌ خفي ولكنَّ الأجرَ ظاهرٌ فغفرَ لكَ اللهُ..

كانَ كريماً سخياً باذلاً، لا يرى مسكيناً إلا ويعطيهِ ما كتبهُ اللهُ وهذا ما رأيتهُ بعيني، ولا يدعُ أحداً يركبُ معهُ ينفقُ ريالاً واحداً أبداً ولو اضطر إلى ذلك..

أذكرُ في يومٍ مِنَ الأيامِ خرجنا في نزهةٍ خلويةٍ، وبصحبتنا جمعٌ قليلٌ مِنَ الأصدقاءِ الأعزاءِ، وجئتُ وجاءَ هو بعدي، وكانتْ وجبةُ العشاءِ لا تناسبهُ ولا تناسبني صحياً، وهذا مما كنتُ أتوافقُ معهُ فيهِ، فقامَ وأخذني معهُ وذهبنا جميعاً إلى إحدى الماركاتِ القريبةِ ثمَّ قالَ لي: (أبختار لك على ذوقي وأنت تعال حاسب) في الحقيقةِ استغربتُ!! عبداللطيف يقول: (حاسب) نزلتُ معهُ وبعدَ أن اشترى ما يكفي لعشرةِ أنفارٍ معنا، بلْ ولمْ يتركْ أصحابنا الذينَ قدْ تناولوا العشاءَ فأخذَ لهمْ شيئاً يسيراً، ثمَّ أخرجَ محفظتهُ وأخرجَ المبلغَ وأنا أنظرُ.. وسلَّمهُ لي ثمَّ قالَ: (الحين حاسب) فلا حرمكَ اللهُ مِنْ أطايبِ الفردوسِ..

كانَ رحمهُ اللهُ أنموذجاً فريداً مِنْ نوعهِ، لا تجدهُ إلا في خيرٍ، ولا يعملُ إلا في خيرٍ، أمسكَ زمامَ العمل الاجتماعي في نادي المعالي الصيفي ومعهُ مجموعةٌ مِنَ الشبابِ فكانَ خيرَ اجتماعيٍ عملَ فيهِ، أعمالهُ في دروبِ الخيرِ كثيرةٌ، لا يجدُ مجالاً إلا ويساهمُ فيهِ، فإنْ لمْ يكنْ فبكلمةٍ طيبةٍ تكونُ دافعاً قوياً لهذا المجالِ، كنتُ أقْدُمُ مِنْ بلدي جلاجلَ إلى بلدي روضة سدير معَ والدي حفظهُ اللهُ كلَّ عصرٍ مِنْ كلِ يومٍ إلى نادي المعالي الصيفي، وفي العودةِ أعودُ برفقةِ أحدٍ مِنَ الشبابِ جزاهمُ اللهُ خيراً، وقدْ طلبَ عبداللطيف مني طلباً وثنَّى علي فيهِ، ألا يرجعني إلى جلاجلَ أحدٌ غيرهُ طوالَ أيامِ المركزِ القادمةِ، وفعلاً كانَ آخرُ مَنْ أقلني إلى جلاجل هو رحمهُ اللهُ، فأقلكَ اللهُ مِنْ عثراتِ الآخرةِ.

كانَ رحمهُ الله مغرمٌ بسماعِ القصائدِ وخصوصاً قصائد البراري والمكشات، وكانَ رحمهُ الله يحبُ الاستماعَ إليَّ وأنا أروي بعضاً من الرواياتِ والقصصِ القديمةِ التي يتبعها غالباً بعضُ أبياتِ الشعرِ، وكانَ يسجلُُ بجهازهِ الجوالِ بعضاً مِنْ هذهِ القصصِ التي أرويها وأكتشفُ مِنْ غدٍ أنهُ قدْ حفظَ القصةَ والأبياتَ وبالأسلوبِ نفسه الذي قدْ رويتها لهِ، فلا سجل اللهُ عليكَ خطيئةً ولا حاسبكَ عليها..

كانتِ ابتسامتهُ المعهودةُ لا تفارقهُ، فما إنْ تلاقيهِ حتى تراهُ مبتسماً وبكلِ عباراتِ الترحيبِ ينطقُ، معَ أي كائنٍ كانَ، يعرفكَ أو لا يعرفكَ، هو مبتسمٌ دوماً..

شعارهُ.. أنتَ أخي وصديقي إذا مضينا جميعاً في غيرِ معصيةٍ للهِ..

أملهُ.. ألا يبيتَ يوماً وقدْ أغضبَ أحداً أو جرحَ مشاعرهُ، فلا تعجبْ إذا قلتُ لكَ إنني واللهِ لا أعرفُ أحداً يُكِنُ في قلبهِ حقداً أو ضغينةً على عبداللطيف، بلْ وأعلمُ أنَّ الكلَّ يحبهُ، ويهوى الجلوسَ معهُ، فجلساتهُ لا تخلو مِنْ ذكرٍ للهِ، ومِنْ كلمةٍ طيبةٍ، ومِنْ قصةٍ مفيدةٍ، ومِنْ طرفةٍ مسليةٍ، ومِنْ أسئلةٍ محيرةٍ، كلُ هذا في جلسةٍ واحدةٍ معهُ يزينها صحبةٌ لا مثيلَ لهمْ، كانَ يرددُ دائما: ((الله يجمعنا في الجنة)) فاللهمَّ اجمعنا بهِ في الجنة.

كانَ آخرُ لقاءِ لي بهِ يومَ الإثنينِ 12-8- 1430هـ قبلَ وفاتهِ بثلاثةِ أيامٍ وذلكَ في الحفلِ الختامي لأنشطةِ النادي، ودَّعني ثلاثَ مراتٍ كلُ مرةٍ يقولُ لي فيها: (لا تخلينا المركز الرمضاني الجاي كل الشباب موجودين، وخلنا نشوفك ونوسع الصدر، وعلشان تزيد عدد اللي يلعبون الطائرة) توفي هو.. ولكني لوصيتهِ مُتمٌ بإذنِ اللهِ تعالى فلنْ أدعََ المركزَ الرمضاني ولا المراكزَ الصيفيةَ في روضة سدير بإذن اللهِ ولعلَّ كلَّ عملٍ أعملهُ في هذهِ المراكزِ يكونُ لهُ أجرٌ متواصلٌ بإذن اللهِ لا ينقطعُ..

بوفاته في ذلكَ اليومِ كانَ هنالكَ خسوفٌ للقمرِ ولكنْ ليسَ قمرُ السماءِ، وإنمَّا قمرٌ في الأرضِ، خسفَ عبداللطيف ودُفنَ القمرُ.

اللهمَّ إنَّ عبداللطيف قدْ قدمَ إليكَ فاللهمَّ خيرَ منزلٍ أنزلهُ، وخيرَ مسكنٍ أسكنهُ، وخيرَ مأكلٍ أطعمهُ، وخيرَ مشربٍِ أشربهُ، وكلّ ما يتمناهُ يا ربِ يدركهُ..

اللهمَّ إنَّ عبداللطيف قدْ رحلَ عنِ الدنيا فاللهمَّ الفردوسَ الأعلى مقرٌ لهُ، معَ النبيينَ والصديقينَ والشهداء والصالحينَ وأجمعنا بهِ يا ذا الجلالِ والإكرامِ..

اللهمَّ إنهُ يكثرُ مِنْ هذا الدعاءِ..

الله يجمعنا في الجنة..

الله يجمعنا في الجنة..

الله يجمعنا في الجنة..

فاللهمَّ اجمعنا بهِ في جناتكِ يا أرحمَ الراحمينَ وكلَّ مَنْ نحبُ..

- جلاجل - سدير



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد