Al Jazirah NewsPaper Friday  21/08/2009 G Issue 13476
الجمعة 30 شعبان 1430   العدد  13476
عملية توازن
د. يارمو كوتيلين

 

لقد نشرت بيانات نتائج الربع الثاني من الولايات المتحدة الأمريكية مع بعض الأخبار المشجعة من عدة بلدان أخرى إقناعاً واسع النطاق بقرب وصول الأزمة الاقتصادية مرحلة التعافي. بينما يعتبر تراجع الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 1.0% مجرد تقدير مؤقت، لم يتجاوز حتى توقعات المحلليين. لكن قد يبدو السبيل إلى الأمام أقل استقامة مما هو متوقع حالياً. الاستقرار الظاهر ليس ذا علاقة بالإنفاق الحكومي حيث تبقى أكثر من 90% من الحزم التحفيزية الأمريكية دون استخدام. ومازالت تتزايد المطالبات للمزيد من الإنفاق خشية من (تعاف آخر مع فقدان الوظائف). بشكل عام، أصبحت صناعة القرار أمراً أكثر تحدياً في بيئة تطلبت فيه مخاطر غير مسبوقة لتدخلات سياسة غير مسبوقة.

لقد خلقت البيانات الاقتصادية المتضاربة خلال الأسابيع القليلة الماضية وضع مربك فيما يختص بآفاق المدى القصير للاقتصاد العالمي. بينما تراجعت احتمالات الانهيار الاقتصادي إلى أدنى مستوى، يعرض دليل نهوض الاقتصاد عدة مخاطر ويثير الكثير من الأسئلة الهامة.

* الاستدامة.. على الرغم من أن البيانات حالياً أقل سلبية مما كانت عليه في السابق، هنالك شكوك هامة ومستمرة حول استدامة التوجه. لا يزال غير واضح بعد مدى اعتماد التقدم على إجراءات المساعدات وبالتالي قد تضطرب في غيابها. علاوة على ذلك، قد تنحرف وفرة السوق الأخيرة من الواقع الضمني إلى حد قد يؤدي في النهاية إلى خيبة أمل واسعة والخسارة أو عكس الشعور الإيجابي.

التقدم المستقبلي. مع حدوث الاستقرار على خلفية عدم التوازن المستمرة والاستغلال المرتفع، تظل سرعة وطبيعة التعافي المقبل أمراً محل شك كبير. ثمة أسباب ضئيلة لتوقع نوع النهوض القوي الذي اعتاد عليه المستثمرون إبان فترات الركود التالية للحرب. لكن، الوصفة التي قدمها المحللون والمراقبون تلقي الضوء على نطاق واسع من الاحتمالات. من جانب أنها فترة ركود تماثل فترة ركود السبعينيات: استقرار نسبي لكن نمو أدنى في وجود عدة مخاطر. من جانب آخر نهوض أكثر قوة غير مكتمل في النهاية بسبب إفراطه، كما حدث بالضبط في منتصف الثلاثينيات وكذلك في اليابان إبان مطلع التسعينيات.

مطابقة السياسة للتحديات. ربما يكون القلق الأهم هو ضمان خطوات السياسة الاستثنائية للاستفادة منها في محاولة لتجنب كارثة لا تحدث بالضرورة مخاطر جديدة. ما يجعل الأزمة الحالية غير مألوفة هو الحجم و النطاق الاستثنائي للمشاكل الاقتصادية ومدى سرعة خطوات المساعدات المتبناة استجابة لها. يعرض التنسيق الضعيف لاستجابة السياسة أو منح جرعة مفرطة من العلاج إلى مخاطر استبدال المشاكل الحالية بمشاكل أخرى جديدة:

* الفقاعات أحد الأمور المؤسفة حول استجابة السياسة لتفريغ فقاعة التقنية و11 سبتمبر طبيعته القابلة للجدل. ظل صناع السياسة حذرين بشدة حول التعافي اللاحق، وظلت السياسة النقدية ملائمة جداً لفترة طويلة. كانت بيئة معدل الفائدة المنخفضة دافعاً رئيساً لفقاعات الأصول الاستثنائية التي برزت في منتصف العقد. يكمن الخطر هذه المرة أيضاًً في الاستجابة المفرطة أو في سوء توقيت استجابة السياسة مما تخلق فقاعة أخرى. من بين الأمور الأخرى، إطالة أمد بيئة معدل الفائدة المنخفضة يجعل الأمر أكثر صعوبة للمؤسسات الاستثمارية لإدارة مخاطرها بالاستثمار في أصول منخفضة المخاطر.

* التضخم. ما دون فقاعات الأصول، فمن الممكن أن يحدث موقف نقدي غير محكم، ضغوط أسعار واسعة النطاق. خطر هذه النتيجة متواجد، آخذين في الاعتبار نطاق التسهيل الكمي غير المسبوق و النقاش الأولي الدائر حول السماح للتضخم المرتفع ليكون وسيلة للتقليص. يصبح الاحتمال أكثر حدة في حال تأخر تطبيق إستراتيجيات الخروج التي يتم التشاور حولها. من المفارقات، قد نجح الاستقرار النسبي الظاهر في الولايات المتحدة بأدنى حد من الحزم التحفيزية النقدية. قد يؤدي تعزيز الإنفاق العام بأكثر من 700 مليار دولار في اقتصاد لا زال يتعافى إلى التضخم ومزاحمة استثمارات القطاع الخاص.

* هبوط متجدد نحو الأسفل. بقدر ما يقود الحذر المفرط للتضخم، فإن الإيقاف المتعجل للحزم التحفيزية يعرض إلى مخاطر هبوط آخر نحو الأسفل. يظل هذا احتمالاً واضحاً. من جانب آخر، قد تجد بعض الحكومات صعوبة تعزيز إنفاق العجز مع تصاعد المخاوف بشأن أهليتها الائتمانية. هذا سيجبرها إما على تقليص سياستها أو منح شروط أفضل على الديون الحكومية، الأمر الذي سيقلل تأثير التحفيز.

من جانب آخر، لا يبدو جلياً فيما إذا كانت بعض خطوات التحفيز كافية لحد بعيد لتحقيق تعافٍ مستدام، ويعزى ذلك جزئياً إلى العوامل الهيكلية مثل زيادة المدخرات وتقدم السن لسكان الغرب. وبالتالي قد تعاود مخاطر الهبوط نحو الأسفل الظهور ثانية عندما تبدأ تأثيرات الخطوات التحفيزية في الزوال. من منظور نمو عالمي أوسع، فإن تلك أخبار مثيرة للقلق. إن التعافي غير المستند على عوامل مستدامة يبذر في نهاية المطاف بذوراً تحطمه و يولد أزمة جديدة.

تسلط هذه التحديات الأضواء على خلل أساسي في السياسات المتبعة خلال الأعوام القليلة الماضية. بينما يزعم صناع القرار على نطاق العالم على أنهم من أتباع نظرية كينيز، فإن نظريتهم الكينيزية انتقائية وغير متناسقة إلى حد كبير. لم تفعل الاقتصادات المتقدمة شيئاً، إلى حد كبير، لاستخدام السياسة النقدية للحد من الأنشطة الاقتصادية أو تكوين احتياطات إبان الطفرات الأخيرة. أتاحت لنا تلك النتيجة المتناقضة للسياسة النقدية والتي بدورها ساعدت في إطلاق دعم الفقاعات من ثم قلصت سرعة و تأثير إفراغها في نهاية المطاف. لقد أقر كينيز بهذا الخطر، لكن يبدو أن أتباعه المزعومين لم يقرون بذلك. اعتبر كينيز السياسة النقدية كأداة لمواجهة التقلبات الدورية طوال الدورة. بينما يستشهد الكثير من صناع القرار بمبادئه أثناء فترات التراجع، فإنهم يجهلونها أثناء الطفرات على حد سواء.

ماذا يعني عدم اليقين لمنطقة الخليج حيث إن ربط العملات بالدولار (باستثناء الكويت) يجعل التوقعات الاقتصادية تعتمد اعتماداً كبيراً على القرارات التي تصدر في واشنطن؟ في ظاهرها، يمثل استقرار الاقتصاد الأمريكي أنباء طيبة، لأنه يمكن أن يعيد إلى الربط للدور الأصلي المبتغي - المرساة الاقتصادية. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد تقلب كبير أيضاً. في حين قد يؤدي تنامي مخاوف الدين العام والتضخم إلى نوبات من ضعف الدولار، تهدف أدلة تعافي اقتصاد الولايات المتحدة قبل الاقتصادات الأخرى إلى جانب علامات إعادة التوازن الاقتصادية إلى دعم الدولار. باعتبار كل الأمور، تقلص وتيرة التدهور الاقتصادي، والحاجة إلى إعادة بناء المخزون، وإن كانت مؤقتة، وآفاق الانتعاش في الإسكان وغيرها من الأسواق، ينبغي أن تقدم للولايات المتحدة مهلة في المدى القريب. ثمة مصدر قلق رئيس لدول مجلس التعاون الخليجي وهو ضمان أن لا تؤدي تلك المهلة إلى توقعات غير واقعية بشأن أسعار النفط التي أثبتت درجة عالية من الحساسية لآمال التعافي.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد