يعمد نقاد السينما الجادّون إلى تجنّب منزلق الهجوم الشخصي من ناحية وعلى نقد النقد من ناحية أخرى. الزميل سمير فريد من بين الملتزمين بهذا المبدأ رغم أن البعض هاجمه أكثر من مرّة. آخرون ملتزمون به أيضاً على الرغم من الهجوم عليهم. ذلك لأن الهجوم في مثل هذه الحالة، ينطلق من وضع منهزم ليصب في وضع يائس.
طبعاً، هناك فرق بين طرح رأي وموقف الناقد في فيلم، وبين الهجوم عليه وعلى ما يمثّله من خط نقدي أو وجهة نظر أو ثقافة. مثلاً، يمكن لهذا الناقد أن يطرح للنقاش ما قد يرد لدى ناقد زميل خلال حديثه عن السينما اللبنانية أو في مخرج معيّن ليس لنقض الرأي، فالنقد ليس وقفاً على الرأي فقط، بل على المعلومات وعلى المعرفة وقدرة على القراءة النقدية الصحيحة نظرياً وعملياً، لكن لا يمكن لي أن أحاول الإنقاص من قيمته أو الانتقال من نقطة إلى أخرى وكل نقطة تصبح أبعد من سابقتها عن صلب الموضوع المطروح.
إلى جانب أن النقاش عليه أن يكون حضارياً وليس عبارة عن صوت مرتفع بما يحلو لصاحبه استخدامه من عبارات، فإن عليه أيضاً أن يكون واعياً لحقيقة أن المعلومات ليست رأياً يناقض بل هي مؤلّفة من حقائق ووقائع، أو هكذا يجب أن تكون.. لذلك حين يكتب المرء عن ملاحظات تخص وجهة نظر ناقد آخر، فإن عليه أن يكون ملمّاً بذات المعلومات لكي يستطيع الحديث فيها. وهذا المنطق هو الذي يكشف عن مشاكل الرأي الذي يبديه كلا الطرفين.
على سبيل المثال، إذا ما كتب ناقد مادحاً مخرجاً اتفق عليه كافة النقاد الآخرين بأنه سيئ، فإن على هذا الناقد أن يوضّح ويعرّف المسببات التي تدفعه لتبني هذا الرأي. كما على الناقد الذي يريد طرح رؤية الأول على طاولة النقاش أن يبحث في المعلومات التي وفّرها الناقد، لكنه لا يستطيع أن يقفز الحواجز ليتحدّث في مسائل لا علاقة لها في صميم الموضوع.
المسألة برمّتها هي أن هناك حقيقة واحدة وعدّة وجهات نظر وطالما أن النقاش يبقى بحثاً في تلك الحقيقة واستقراءً لها، فإن هذا النقاش سيكون حضارياً ومفيداً للجميع. ما نقرأه حالياً في المدوّنات المنتشرة غالباً ما يستعيض عن كل هذا باختصار الطريق صوب نرجسية الذات والموقف، حيث الكاتب لا يمكن أن يكون على خطأ لكن الآخرين جميعاً مخطئون.
م. ر : merci4404@earthlink.net