Al Jazirah NewsPaper Saturday  22/08/2009 G Issue 13477
السبت 01 رمضان 1430   العدد  13477
الدراسات العليا في الجامعات السعودية بين مطرقة سد الحاجة وسندان الجودة والتميز (3-3)
د. زايد بن عجير الحارثي

 

تواصلاً مع عرض قضايا التعليم العالي ومناقشتها، أختتم الآن بالحديث عن القضيتين الأخيرتين وهما القضية الرابعة في الدراسات العليا وهي قضية المناقشات وتوابعها، فإني بخبرتي طالباً في جامعة أمريكية عريقة.....

.....ومشرفاً ومناقشاً كذلك لعشرات الرسائل في الجامعة التي أعمل بها أو العديد من الجامعات المحلية وكذلك الخارجية قد تكوّن لدي رؤى وأفكار عامة عن المناقشات ومكانيزماتها ومخرجاتها وهذا مجال ومؤشر مهم من أهم المجالات لإصلاح مخرجات الدراسات العليا في الجامعات السعودية. وعلى الرغم من أنه ليس هناك لوائح وضوابط تفصيلية تحكم اختيار المناقشين وضوابط المناقشات وإصدار الأحكام بخصوصها إلا أن هناك بعض الأحكام العامة مثل عدد الطلاب الذين يمكن مناقشتهم في جلسة قسم أو جلسة مجلس كلية أو دراسات عليا واحدة. وكذلك هناك بعض النماذج التي تحدد الدرجات أو معايير الحكم على الرسائل التي يلتزم بها المناقشون أما ما لم يرد من تفاصيل وهي في رأيي الأهم فتشمل تفاصيل المناقشة وما يجب أن تتضمنه وكذلك معايير الحكم والتقييم للرسائل بعد المداولة، فهذه أمور تركت لتقديرات المشرف والمناقشين وكذلك للأعراف المتبعة. لقد تشكل لدي تصنيف مبدئي لما يتم في أجواء المناقشات من خلال بعض الوقائع أو ما يحصل في الواقع فإنني أستطيع القول بأنها تصنف إلى:

أولاً: المناقشات التي تكون في أغلبها شكلية وهامشية لا تضيف ولا تثري موضوع الرسالة ولا الطالب وتنتهي المناقشة في زمن وجيز وتأتي النتيجة موافقة لمقدماتها أو لنقل ما تم الاتفاق عليه مسبقاً.

ثانياً: المناقشات التي تخضع للموضوعية والاختيار للكفاءات لأعضاء لجنة المناقشة ومنها إثراء في المناقشة في طلب الموضوع وفق الخبرة والتخصص وبكل أسف فإن هذا النوع من المناقشات والذي يفترض فيه الشيوع والذيوع، إلا أنه الأقل انتشاراً وذيوعاً.

ثالثاً: المناقشات التي تخضع للذاتية والشخصانية، بل يشم منها روح الانتقام من الطالب أو من المشرف أو من قبل المناقشين وعادة يطغى عليها روح الاستعراض، وتأتي نتيجتها بما يعكس مقدمتها من بعد عن تحقيق أهداف المناقشة وقد تتسبب في تعطيل أو إعاقة تخرّج الطالب، ومن حسن الحظ أن مثل هذا النوع من المناقشات قليل واستثنائي.

وهكذا فإننا نجد تساؤلات وتساؤلات تطرح من قبل الطلاب وأولياء أمورهم وكذلك من المسؤولين وغيرهم عن جدوى المناقشات وبخاصة في النوعين الأول والثالث وتتركز التساؤلات عن غياب المعايير والأحكام لسير المناقشات ومحتواها.

وفي كل الأحوال فإنه في غياب المعايير والضوابط لتحديد المناقشين ومعرفة أهداف المناقشات ومتابعة أدائها وتقييمها، نجد مثل التجاوزات التي أشرت إليها.

أما القضية الخامسة الأخيرة من قضايا الدراسات العليا فهي قضية مخرجات الدراسات العليا وهنا أحددها على وجه الخصوص في نوعين من المخرجات:

1) المعارف والمهارات التي يكتسبها طلاب الدراسات العليا.

فكما أشرت إلى أن أهداف الدراسات العليا ومنطقها وحاجة البلاد هو إلى نوعية مميزة وتربوية من خريجي الدراسات العليا. وأرى في نظري أن خريجي الدراسات العليا يجب أن يتوفر فيهم صفات ويمتلكوا مهارات معينة تحقق أهداف الدراسات العليا وأولى هذه الصفات والقدرات هي الاستقلالية وبعد النظر والاتزان والقدرة على التحليل والحكم الناضج والتفكير الابتكاري والتفكير الناقد، أما المهارات التي يجب أن يكتسبها ويمتلكها خريج الدراسات العليا فيجب أن تكون مهارة وإتقان اللغة الأم وكذلك اللغة الإنجليزية وهي اللغة العالمية ومهارات التعامل مع الحاسب الآلي وهذه الصفات والمهارات لا تأتي إلا من خلال برامج قوية ومناسبة في الدراسات العليا، والأستاذ في الدراسات العليا في اعتقادي هو محور الارتكاز في هذه العملية وهو الذي يستطيع بما أوتي من قيادة وخبرة ومقومات شخصية أن يخلعها على طلابه.

وواقع الحال لدى طلابنا كما لمست ذلك أن معظمهم يفتقر إلى بعض أو معظم هذه المقومات.

وفي غياب دراسة موضوعية شاملة، لا أستطيع تحديد نسبة من يفتقرون إلى مهارات الحاسب واللغة ولكني أظن أنها لا تقل عن خمسين في المائة، وهذه في نظري نسبة كبيرة، بل وكافية لإقامة دراسة علمية حقيقية عليها تستدعي إصلاح برامجنا في الدراسات العليا وتقييمها ثم تقويمها للتناسب مع أهداف وطموحات الوطن في ما هو مأمول من هذه النخب.

2) الرسائل وأهميتها للباحثين وللعلم وللوطن:

إن الأصل في الرسائل العلمية - وبخاصة رسائل الدكتوراه - حيث إنني أعتقد أن رسائل الماجستير ما هي إلا مرحلة تدريب وتمرين للطالب على البحث العلمي وتطبيق المنهجية السليمة - أن تنتج معرفة أصيلة فكراً وتنظيراً وتنظيماً وإخراجاً، وأن تسهم كذلك في حل مشكلة علمية أو ميدانية أو نظرية بحيث يستفيد منها الطالب في حياته والوطن في تنميته والعلم في مسيرته.

وإذا أبديت رأيي هنا فإنني أستطيع القول إنني اطلعت على بعض الرسائل التي تعتبر بحق رسائل نموذجية من حيث الفكرة والمعالجة والنتائج وذلك في المجالات التربوية والاجتماعية والنفسية وكذلك الحال في المجالات الأخرى، بل إنني اطلعت على تقارير عن نتائج رسائل دكتوراه لبعض الباحثات والباحثين السعوديين في جامعات محلية أو أجنبية ساهمت نتائج أبحاثهم في تقديم علاج لبعض الأمراض أو حل مشاكل لبعض القضايا.

وفي المقابل فقد اطلعت على العديد من الرسائل للدكتوراه مما يندى له الجبين لاحتسابها رسائل دكتوراه لضعف المنهج المستخدم وسوء التوثيق والتنظيم والمعالجة، بل تكرار الفكرة إن لم نقل انعدام قيمتها العلمية والعملية - وليس لدي - بكل أسف إحصائية أو دراسة علمية عن نسبة مثل هذا النوع من الرسائل أو نسبة الرسائل المتميزة.

خاتمة المطاف

بعد استعراض القضايا الخمس الرئيسية السابقة أختتم هذه الدراسة عن واقع الدراسات العليا في الجامعات السعودية وهمومها بطرح عدد من المقترحات التي أرى أنها تساعد في تحسين برامج الدراسات العليا في الجامعات السعودية؛ وذلك لتحقيق أهداف الدراسات العليا وكذلك ليتواكب مع الدعم والثورة المادية والكمية للتعليم الجامعي وللدراسات العليا بصفة خاصة والتي بدأت جميع الجامعات الناشئة حديثاً مع سابقاتها العريقة في افتتاح البرامج المختلفة ولكن... مع عدم مواكبة ذلك الكم من البرامج إلى حد كبير جودة وتميز تلك البرامج المفتتحة، وفيما يلي عرض لأهم مقترحات أرى أنها تسهم في ذلك:

أولاً: إن الاهتمام بالجانب الكمي سواء في افتتاح برامج دراسات عليا في الجامعات السعودية أو قبول أعداد في الجامعات مطلب وطني وأولوية مهمة لتغطية العجز الحالي والمستقبلي لكوادر أعضاء هيئة التدريس في الجامعات التي تمتلئ بها بلادنا الحبيبة ولله الحمد، ولكن هذا الوضع يجب أن يتزامن مع مراجعة عاجلة وشاملة وموضوعية للبرامج القائمة في الدراسات العليا في جامعاتنا في القضايا الخمس الكبرى التي تمت مناقشتها فيما سبق وعلى وجه الخصوص في مخرجات برامج الدراسات العليا وخصوصاً أننا نحن نرفع شعار التطلع إلى العالم الأول، بل تحقق لبعض جامعاتنا وعلى رأسها جامعة الملك سعود والملك فهد للبترول والمعادن الريادة في هذا المجال.

ثانياً: إن الابتعاث للدراسات العليا وبخاصة للدول المتقدمة سواء كان ذلك من خلال المعيدين والمحاضرين - وهم الرافد الأساسي - لسد الحاجة من أعضاء هيئة التدريس، أو من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث هي برامج ضرورية وأولوية لا يستغني عنها البلد في ظل طموحات ولاة الأمر في رفعة البلد وتقدمه. وسوف يسجّل التاريخ لخادم الحرمين الشريفين في برامج الابتعاث بمداد من نور لما سيعكسه من تأثير على نهضة البلد وتقدمه، وأدعو من هذا المنبر وزارة التعليم العالي إلى التوسع والاستمرار في برامج الابتعاث وبخاصة على مستوى الدراسات العليا ويجب أن نتذكّر ونذكر أن دولاً مثل اليابان والصين وكوريا والهند وسنغافورة وماليزيا لم تتقدم وتصل إلى ما وصلت إليه إلا بفضل نقل الخبرات وإدارة الموارد البشرية والطبيعية بعناية فائقة من خلال مبتعثيها إلى دول مثل أمريكا وأوروبا بمئات الألوف من أبنائها وعلى عدة عقود.

ثالثاً: إن أحد أوجه وآليات الإصلاح والتطوير في برامج الدراسات العليا في جامعاتنا السعودية يتمثّل في توحيد مصادر المعلومات وقواعد البيانات وبخاصة في مجال الرسائل العلمية - ماجستير ودكتوراه - لأن ذلك مما يشكل عقبة، بل مشكلة أمام الباحثين ومشرفيهم في اختيار مواضيع البحوث والتوسع في دراستها أو تجنب التكرار والازدواجية وهدر المال والوقت في البحث عنها. وبالتالي فإن احتفاظ كل جامعة بمركز خاص بها في حفظ معلومات وقواعدها من أسماء وبيانات الرسائل والأبحاث لا يخدم إلا جزءاً بسيطاً من الطلاب في داخل الجامعة، وإن إنشاء مركز وطني على غرار ذلك الذي في الولايات المتحدة في ولاية ميتشجان والذي يحتفظ بملايين من الرسائل العلمية في الماجستير والدكتوراه في أمريكا والذي يسمى ب Dissertation

International abstract UMI واقتراحي

بأن ينشأ المركز المذكور بداية في وزارة التعليم العالي ثم يصبح فيما بعد مستقلاً أو تابعاً لمكتبة الملك فهد الوطنية أو مركز الملك فيصل للأبحاث أو غيرها وسوف يمثّل قفزة نوعية في حفظ الوثائق والرسائل على مستوى المملكة وكذلك توفير الوقت والجهد على الطلاب والباحثين في البحث المضني، كما سوف يمنع التكرار والازدواجية للأعمال والأبحاث التي أُجريت، بل سوف يوفر المعلومات الدقيقة والمهمة من مصادرها الأصلية كما سوف يجعلها متاحة للمسؤولين والمعنيين ممن يرغب في الاستفادة من مثل هذه الأعمال وغير ذلك من الفوائد التي سوف تسهم في دعم حركة البحث في الدراسات الجامعية والعليا في المملكة.

رابعاً: إن من عوامل تحفيز وتطوير دعم طلاب الدراسات العليا في أبحاثهم وبخاصة في رسائل الدكتوراه دعم الأبحاث وتمويلها بشكل موسع وذلك بعمل اتفاقيات شاملة من قبل وزارة التعليم العالي مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية أو إنشاء برامج منح مالية خاصة من قبل وزارة التعليم العالي للبحوث المميزة لطلاب الدراسات العليا ومشرفيهم وكذلك التي تحتاج إلى دعم لإنجازها وفق آليات محددة ومرنة، فإن من شأن هذا الإجراء تيسير وتحفيز الطلاب والارتقاء بمخرجات الدراسات العليا.

خامساً: إجراء دراسة ومراجعة شاملة مركزية عن طريق وزارة التعليم العالي أو دراسات مستقلة عن واقع برامج الدراسات العليا في الجامعات السعودية وكيفية تطويرها لخدمة أهداف الجامعات وتنمية الوطن.

سادساً: يتضح من نظرة شكلية أن هناك نسخاً وتكراراً في برامج الدراسات العليا في العديد من الجامعات مما لا يخدم أهداف التعليم العالي والتنمية في البلد، على سبيل المثال تخصص علم النفس المعروف بفروعه المختلفة - الذي لا يتسع المقام لسردها والذي يخدم العديد منها أهداف كثيرة للتنمية في البلد - طبق منه برنامج علم النفس التربوي فقط وهو على أهميته تركز تطبيقاته على الميدان التربوي فهل هذا كل ما نحتاجه من الجامعات تخريج نسخ متكررة من المتخصصين في هذا المجال؟؟ وأين التخصصات الأخرى التي تخدم الصحة والصناعة والسياسة والدين وغيرها؟

ولماذا لا تتنوع البرامج بحسب كل جامعة وتتنافس في جودتها وتميزها؟ وما قيل عن برامج علم النفس في الدراسات العليا يقال عن العديد من البرامج الأخرى.

سابعاً: إجراء دراسة ومراجعة شاملة مركزية عن طريق وزارة التعليم العالي أو دراسات مستقلة عن واقع برامج الدراسات العليا في الجامعات السعودية وكيفية تطويرها لخدمة أهداف الجامعات وتنمية الوطن وللتواكب مع ما يضخ لها من دعم مادي ومعنوي غير محدود.



E - Mail: zozmsh@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد