Al Jazirah NewsPaper Saturday  22/08/2009 G Issue 13477
السبت 01 رمضان 1430   العدد  13477
قلة وكثرة
نادر بن سالم الكلباني

 

القليلون منّا هم الذين يصنعون الأحداث، يجملون حياتنا ويعاركون لأجلنا ما يعترض سير أمورنا، يعملون ويجتهدون ويصيبون ويخطئون، يبدعون تارة ويوفقون، وتارة أخرى يسقطون ويفشلون، لكنهم دائماً على طريق العمل والعطاء سائرون.

والكثيرون منّا لا يفعلون شيئاً غير أن ينتقدوا. فلا هم عملوا وصححوا ما يرون إعوجاجه بأعمال واضحة تفوق ما انتقدوه من أعمال أو تقاربها، ولا هم صمتوا وأفسحوا المجال لغيرهم لأن يعمل ويجتهد، ليصيب مرات، فيقبلون منه إن يخطي مرة.

أسهل شيء أن ننتقد، فتصيد العيوب في أي فعل كان، لا يحتاج لعين خبير، وكل شيء مهما علا وارتقى لا بد له من عيوب، وكلما اتسعت دائرة الحركة والعمل زادت فرص الوقوع في الخطأ. على أن العمل والإنتاج والحركة الدؤوبة، تتطلب جهداً ومهارة لا يملكها الكثيرون الذين تكثر انتقاداتهم وملاحظاتهم وانتقاصهم لكل شيء، فالشاعر أو الفنان أو المؤلف أو المسؤول يصنع عملاً لا يحسن الكثيرون منا عمله، ليأتي ناقد أو كاتب فيعيب ما يرى من عمل، وينتقص منه دون أن يستطيع هو أن يقدم لنا عملاً يفوق ما يعيبه أو حتى يقاربه لو أعطي المجال، ومع هذا أفهم أن يعاب كل عمل طالما اتفقنا على أن كل شيء مهما كان لا بد له من نقص يرتبط به، الذي استغربه أن الناقدين الذين لا يصنعون الأحداث، وتفرغوا للانتقاد وإبداء الملاحظات لتأتي حركتهم في مقدارها ونوعها كردة فعل لحدث أو عمل يصنعه غيرهم، يعتقدون أنهم الأعلم والأفهم، ويخوضون في كل المجالات، الدينية والسياسية والعسكرية والتربوية وغيرها وينتقصون من هذا أو يتهكمون على ذاك لكنهم لا يقبلون أبداً مراجعتهم فيما يقولون، فالكلمة كما يظنون تقف عندهم لا يعقب عليها، وهذا هو وجه الغرابة أنهم يفترضون النقص في كل شيء، لكنهم لا يفترضونه فيهم.

وعلى أية حال، أشفق على هذه الفئة القليلة التي تعمل وتصنع الحدث لتملأ حياتنا حركة وثراء، لأنها دائماً ضحية لتطاول هذا وانتقاص ذاك، ولأنها تحكم بموازين مقلوبة، فالعاطل يكبر بكلماته وانتقاداته، وتفرد له المساحات ليكون في وسط الصورة، يتداول الناس عباراته وانتقاداته ويمدحون جراءته، ويحجم المنتج ويعاب في كفاءته، لينزوي إلى أطراف باهتة في الصورة. هذا عرف لا أرى أنه يمكن أن يتغير في حدود هذا القرن... والله المستعان.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد