Al Jazirah NewsPaper Saturday  22/08/2009 G Issue 13477
السبت 01 رمضان 1430   العدد  13477
جزر البلاستيك.. أخطار محدقة
محمد عبدالكريم عبده

 

جزر من قمامة العالم تطفو في مياه المحيط الهادي، تزداد مساحتها يوماً بعد يوم بمعدل مخيف وواضح منذرة بكارثة بيئية محدقة، تفصلها عنا مسافات زمنية ليست ببعيدة.

علماء المحيطات يؤكدون بأن حجم الجزيرة البلاستيكية العائمة يعادل ضعف حجم قارة أمريكا الشمالية..

فالجزيرة تتمدد بصورة مريعة مشكّلة مكبا عالميا للنفايات ممتدة بعيدا عن ساحل كليفورنيا بـ500 ميل بحري عبر المحيط الهادي الشمالي، مروراً بارخبيل هاواي وحتى اليابان عالم المحيطات الأمريكي شارلس مور، الذي اكتشف المزبلة العائمة، يؤكد بأن مائة مليون طن من القمامة الطافية تسبح في مياه العالم مشكلة جزيرة بلاستيكية يمكنك المشي فوقها، وهي متسعة بشكل لا نهائي بضعف حجم القارة الأمريكية الشمالية. قداحات السجائر، فرش أسنان، ألعاب أطفال والقائمة طويلة في قائمة محتويات هذه الجزيرة البلاستيكية، حيث وجدت في أمعاء إحدى طيور الباتروس، وهو طائر بحري شهير، بإحدى جزر المحيط الباسفيكي، قطع بلاستيكية دقيقة، وبالطبع هذا الطائر يمثل واحدا من آلاف الطيور البحرية التي نفقت والتي تنفق يومياً بصورة دورية جراء تناولها لهذه السموم الطافية. ولسنا بمعزل عن هذه المخاطر فهي محيطة بنا قادمة نحونا، إن لم نعمل على الحد من توسعها وازدياد مساحتها وإيقاف نموها.

علماء هولنديون وجدوا أن تسعة أعشار أو أكثر من طيور (الفلمار) البحرية التي تعتمد على الطعام البحري، تموت من جراء هذه الملوثات، كما بينت دراسة أجريت على 560 من هذه الطيور من ثمان دول بأنها، أي الطيور قامت بهضم ما متوسطة 44 قطعة بلاستيكية.

الطيور ليست وحدها التي تعاني من هذه الملوثات فهناك السلاحف البحرية، الحيتان، الفقمة وأسود البحر والأسماك بكافة أنواعها وكلها تجد في هذه القمامة الطافية طعاما لها.

قد يكون الخطر الكامن في الجانب الآخر أشد كارثية، وهو طعام الإنسان نفسه، يقول العلماء بأنه حتى الديدان الدقيقة وبعض حشرات البحار لم تخل أمعاؤها من مواد بلاستيكية، وهذه المخلوقات الدقيقة تقوم بنفث سمومها في محيطها مسببة حالات من التسمم لإحياء مائية يتغذى عليها الانسان. ومن السهولة بمكان أن تتركز بعض السموم الفتاكة الناتجة من بعض المواد الطافية مثل ال(دي دي تي) وتشكل طبقة قاتلة لهذه الجزر الطافية. والمعروف ان مادة البلاستيكية تتحلل ببطء شديد خاصة بعيداً عن الشمس مما يؤكد خطورة تواجده بمنازلنا وبيد أطفالنا، والبيئة البحرية ملائمة لتحلله البطيء حيث تحمى البحار البلاستيكية من الأشعة فوق البنفسجية المحللة لها.

وقد قدر العلماء بأن كميات هائلة من النفايات البلاستيكية، التي تطفو في البحار منذ 50 عاماً، مازالت طافية اليوم ومحتفظة بكامل مكوناتها في انتظار حيوان بحري يقوم بالتهامها.

الطريقة الوحيدة للتعامل مع هذا الخطر المحدق بالإنسان والحيوان والحياة البحرية والبيئية بوجه عام هو تقليل استهلاكنا للأطعمة والمشروبات والأشياء المعبأة أو المغلفة بالبلاستيك وكثير من الخبراء يؤكدون ضرورة أن تعامل مخلفات المواد البلاستيكية، كالمخلفات الطبية التي تخصص لها مزابل معينة تدفن فيها، أو حتى تعامل كالنفايات النووية فهي إن لم تكن في خطورتها فهي قريبة من ذلك.

أحد المسؤولين من علماء المحيطات، يقول بأنه تتبع عملية تراكم البلاستيك في المحيط لمدة 15 عاما، وقارن تلك القمامة الطافية، مشبهاً إياها بحيوان ضخم بلا مقود، وعندما يصل ذلك الحيوان قريباً من الساحل، كما حدث لجزر هاواي، تكون النتائج مدمرة، لأنها تقوم بنثر محتوياتها على الساحل محدثة كارثة بيئية خطيرة.

هاري مور، بحار سابق، جاء عن طريق الصدفة عبر جزيرة القمامة الطافية، وذلك عام 1997، عندما حاول إيجاد طريق مختصر لبيته وهو يقود يخت سباق من لوس انجلس إلى جزر هاواي. أصابته الدهشة عندما وجد نفسه محاطاً بالقمامة، وتمر الأيام، وآلاف الأميال من أرض إلى أرض والقمامة أمامه كما هي خلفه في امتداد أبدي.. مور وهو سليل أسرة ثرية، كونت ثروتها عبر تجارة البترول، باع كل ممتلكاته وأصبح من مناصري البيئة ونشطائها، وقد بعث بتحذيراته الشديدة مؤكدا بأن الناس إن لم يقللوا من استهلاكهم للبلاستيك، بكافة صوره، فإن حجمه سيتضاعف خلال عقد من الزمان. إنها مسؤولية الجميع أن يهاجموا هذا الوحش ويقضوا عليه قبل أن يقضى عليهم. ويضيف مور، بأنه، ولأن قمامة البلاستيك معتمة وغالباً ما تكون تحت سطح الماء، فإنه من الصعب رؤيتها والتحقق من حجمها ومحتوياتها عبر صور الأقمار الصناعية، فهي فقط ترى من على أسطح السفن التي تجوب تلك المحيطات.

ويقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بأن جزر البلاستيك الطافية، تتسبب في وفاة أكثر من مليون طائر بحري كل عام، وأكثر من مائة ألف من الثديات البحرية.

البلاستيك بصوره وتشكيلاته المختلفة يشكل 90% من المواد الطافية في المحيطات، هذا ما قدره البرنامج مؤكداً بأن الميل المربع من المحيط يحتوي على أكثر من 46000 قطعة طافية من البلاستيك.

يقول خبير الصحة البيئية الأمريكي، دكتور اريكسون، بان التحرك البطيء لهذه الكتل الضخمة من القمامة البلاستيكية الطافية، تشكل خطرا عظيما للإنسان أيضاً، فمئات من الملايين من حبيبات البلاستيك، وهي تشكل المادة الخام للبلاستيك، تضيع كل عام أو تتسرب وتأخذ طريقها نحو البحار. هذه الملوثات تعمل كاسفنجات كيمائية تقوم بجذب الكيماويات المصنعة كالهيدروكربونات ومادة الدي دي تي، وتدخل في طعام الإنسان عبر منافذ مختلفة ومتعددة، وما يصل منها للمحيطات يصل إلى الأحياء البحرية فيها، فهذه السميات تقتل الأسماك وتقضي على نشاطها البيولوجي وبالتالي إلى انقراضها. وتؤكد التقارير البيئية اختفاء أنواع من الأسماك أو بالأحرى انقراضها، فهل يمكنك تخيل عالم بلا أسماك؟ إن صناعة صيد الأسماك تأثرت كثيراً، وقد يعود الإنسان يوماً إلى الطبيعة بحثاً عن غذائه أو يعود إلى (الكانيبلرزم) وهي ما عرف بأكل لحوم البشر من جديد، (فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله) لابد من رفع الشعارات الثلاثة، التي رفعت من قبل بالولايات المتحدة وهي: قلل من استخدامك، اعد الاستخدام، واعد التدوير (إعادة الصناعة)، فليت سلة الخوص تعود من جديد، فهي الأمان وهي الذخر وهي التعامل الصحيح مع الطبيعة، وهي فوق ذلك الأمان والحماية. أما عملية (التدوير) Recycling، فهي لن تنهي هذه المشكلة لان أس المشكلة يكمن في الكميات الضخمة المتواجدة من البلاستيك، والحل الوحيد هو تغيير الإنسان لسلوكياته الحياتية وأساليب حياته العبثية ويتعامل مع بيئته بما يتوافق معها ويحميها، فهي سخية في عطائها، شديدة في بأسها.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد