Al Jazirah NewsPaper Monday  24/08/2009 G Issue 13479
الأثنين 03 رمضان 1430   العدد  13479

ومض من دليل في مقالة باتريك سيل (2-2)
د.عبدالله الصالح العثيمين

 

في بداية هذه الحلقة يسر كاتب هذه السطور أن يزف التهنئة القلبية إلى القراء الكرام والقارئات الكريمات بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، سائلاً الله أن يقبل من الجميع صيامه وقيامه وكل عمل صالح.

كان الحديث في الحلقة السابقة عن جانب مما أورده الكاتب البريطاني المتمكن باتريك سيل، في مقالته التي نشرها في صحيفة الحياة (23-8- 1430هـ) بعنوان (حر الصيف يقوِّض التفكير السليم) وذلك الجانب عن موقف الحكومة البريطانية من قضية أفغانستان. وفي هذه الحلقة سيكون الحديث عن الجانب الآخر في مقالة ذلك الكاتب الكبير، وهو الموقف تجاه القضية الفلسطينية.

كان الكاتب قد ذكر في مقالته أن رئيس وزراء بريطانيا الحالي سمح لبلاده بأن تنجر أكثر في المستنقع الأفغاني، كما لم يستطع سلفه، توني بلير، مقاومة الرئيس الأمريكي بوش لشن حرب على العراق.

على أني أشك كثيراً في أن بلير كان يقاوم فكرة شن حرب على العراق بل أكاد أجزم أنه كان من المحرِّضين على شن تلك الحرب، وذلك لأسباب وأدلة منها: أن قادة بريطانيا - وبلير واحد منهم- كان من الصعب عليهم عدم انتهاز أي فرصة للانتقام من بلد تحرَّر - بدرجة كبيرة- من وضع كان لبريطانيا فيه الكلمة العليا. بل كانت سيدة بريطانيا (الخاتون) تتحكم بكثير من مجريات الأمور فيه. ومنها أن شن حرب على العراق فيه خدمة كبيرة للكيان الصهيوني. وهذا أمر صرَّح به ساسة وعسكريون أمريكيون على حد سواء.

ومن غير المرجح أن يقاوم زعيم بريطاني ما فيه مصلحة للصهاينة ودولته هي التي وضعت البذرة الصهيونية في فلسطين، ورعت نموها حق الرعاية حتى استلمت راية تلك الرعاية الولايات المتحدة الأمريكية. ومن تلك الأدلة على أن بلير لم يكن مقاوماً لفكرة شن حرب على العراق أن العالم كله - والشعب البريطاني من هذا العالم- قد اتضح له أن ذلك الزعيم البريطاني لم يكن صادقاً في ادعاءاته بالنسبة للعراق، وأن كذبه مما بنت عليه الإدارة الأمريكية من أسس لشن حربها العدوانية على ذلك القطر العربي المسلم. ولا يشك كاتب هذه السطور في أن ما عرف عن عداوته لقضية العرب الأولى.. قضية فلسطين.. كان من المؤهلات التي جعلته يختار لتولي متابعة أمر مؤامرة المعروفة.

أما الجانب الآخر، الذي تناوله الكاتب باتريك سيل في مقالته فهو الموقف تجاه قضية فلسطين وما يتصل بها، وقد أورد تصريحات لثلاثة من زعماء الكيان الصهيوني، ولعدد من الأمريكيين الموالين لهذا الكيان.

فقال عن باراك، وزير دفاع هذا الكيان: (إنه داعية حرب لم ينجح في التحول من قاتل متسلسل إلى رجل دولة، الأمر الذي كان يؤمل فعوضاً عن الترحيب بالبرنامج السياسي المعتدل، الذي أطلقته حركة فتح خلال مؤتمرها السادس في بيت لحم، اعتبره خطيراً وغير مقبول).

الحديث عن ذلك المؤتمر كيف لم يعقد إلا بعد عشرين عاماً من سابقه، وعن التسهيلات التي أبداها الصهاينة لانعقاده، والأمور التي كان يجب أن تتناول فيه فلم تتناول، حديث يطول ويطول. لكن من اللافت للنظر أن يأمل كاتب متمكن مثل باتريك سيل في أن يتحول مجرم حرب مثل باراك إلى رجل يؤمن بالسلام ويسعى إليه. فسجلُ هذا المجرم في ارتكاب الجرائم الفظيعة بحق الشعب الفلسطيني - سجلٌ معروف. ومن المستبعد، بل من المستحيل، أن يتحول مجرم له مثل ذلك السجل إلى ترك طبعه الإجرامي.

والزعيم الصهيوني الثاني، الذي أورد الكاتب باتريك سيل له تصريحاً تجاه مؤتمر فتح، هو ليبرمان- وزير خارجية الكيان الصهيوني، الذي كان حارس ملهى ليلي في روسيا قبل تدنيسه أرض فلسطين بمجيئه إليها.

وقد قال عنه: إنه أعلن أن ذلك المؤتمر قضى على كل أمل في التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين - لكن ينبغي على الشعب الإسرائيلي أن يستيقظ ومن عجب أن ترد كلمة سلام في كلام لمثل ليبرمان فمن المعروف أنه من الدعاة الذين يرون إخراج الفلسطينيين من فلسطين بمن فيهم عرب 48م. ومن المعروف عنه أنه كان يهدد بضرب السد العالي في مصر وتخريبه.

وأما الزعيم الصهيوني الثالث، الذي أورد الكاتب باتريك سيل تصريحاً له، فهو نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني وتصريحه المورد يتضمن تحذيره رئيس وزراء لبنان المكلف، سعد الحريري، من إشراك حزب الله في حكومته وإلا فعليه أن يتحمل عواقب ذلك. وقد عقب سيل على ذلك التصريح سائلاً: (متى ستتوقف إسرائيل عن التهويل والاعتداء على الدول المجاورة لها، وتقرر أن تعيش معها بسلام، وإلامَ تستمر وزارة الخارجية الأمريكية في اعتبار حزب الله منظمة إرهابية بدلاً من الاعتراف بأنها حركة مقاومة وطنية شرعية؟).

أما أن يحاول نتنياهو التدخل في مسيرة السياسة الداخلية للبنان فليس بغريب، فغطرسة القوة الصهيونية ووقاحتها لها تحدهما حدود. لكن الإجابة عن سؤال باتريك سيل ليست صعبة، فالكيان الصهيوني لا يمكن أن يتوقف من تلقاء نفسه عن التهديد والاعتداء، ولا يمكن أن يركن إلى تقرير العيش بسلام مع الآخرين، ما لم يصلح هؤلاء الآخرون أنفسهم، ويدركوا أن مواقفهم المتسمة بالتخاذل والتخلي عن الجد في معالجة شؤونهم، وما لم يدركوا أن التنازلات عن الثوابت في قضيتهم، واحداً تلو الآخر، لن تقود إلى مزيد من غطرسة العدو الصهيوني واستمرار عدوانه.

أما الأمريكيون الذين أورد لهم الكاتب باتريك سيل تصريحات لها علاقة بالقضية الفلسطينية فمنهم ديمقراطيون ومنهم جمهوريون. ومضمون تصريحاتهم انتقادهم لإدارة رئيس بلادهم، باراك أوباما، لمحاولته تحسين العلاقات مع سوريا وعدم الإقدام على تبني الحل العسكري للقضاء على منشآت إيرن النووية. ومن الواضح أن دوافع هؤلاء نابعة من ولاء غير محدود للكيان الصهيوني، وأنه يسعدهم أن يروا هذه المنطقة العربية الإسلامية غارقة في وحل (الفوضى الخلاقة) لكن مواقف مثل مواقف هؤلاء ليست بجديدة، ولا دخل لها بحر الصيف حتى يكون هناك تقويض لتفكير سليم. فالتصهين لدى زعامات أمريكية عميق الجذور، ولم يزده مرور الأيام وتعاقب السنين إلا رسوخاً، ولقد ختم الكاتب باتريك سيل مقالته بقوله:

(يبدو أن حر الصيف قد بث هواء ساخناً ساما. ويبدو أن الداعمين للحروب بدأوا يتهددون سياسات الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول السلام والمصالحة. فيجب أن يتحرك هذا الأخير بسرعة وبحزم في حال أراد عدم إحباط الآمال التي أحياها).

هكذا - إذن - كان الكاتب باتريك سيل من الذين رأوا أن الرئيس أوباما بعث آمالا، غير أن كاتب هذه السطور سبق أن نشر مقالة من أربع حلقات أوضح فيها أنه ليس مع الذين خدعوا أنفسهم بالآمال، وبخاصة أن موضوع الحديث قضية فلسطين فأهم مسائل هذه القضية هي القدس وكان أوباما قد أعلن في حملته الانتخابية أنه مع بقائها موحدة، وفي خطابه في القاهرة لم يرد ما يشير إلى أنه غيَّر رأيه. فكل ما قاله: إن القدس ملتقى الديانات السماوية الثلاث. وهذا معروف لكن هل ينتهي احتلال الصهاينة لها، وتعود - كما كانت قبل 1967م) إلى الحكم العربي الإسلامي؟ وقضية اللاجئين هل ورد في الخطاب الأوبامي ما يشير إلى أن حلها يجب أن يكون وفق قرار الأمم المتحدة القاضي بحق عودة أولئك اللاجئين إلى وطنهم الذي طردوا، أو فروا، منه تحت وطأة المجازر الرهيبة؟ ومسألة انسحاب قوات الاحتلال عن الأراضي التي احتلتها عام 1967م هل صرَّح الرئيس الأمريكي بأنه لا بد من الانسحاب منها؟

إن الذي صرح به الرئيس، وأصر على تحققه هو أن تقوم الدول العربية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل والمقابل؟ تجميد بناء المستوطنات (المستعمرات) الصهيونية فقط مدة معينة غير طويلة. لقد بينت في الحلقات التي نشرتها عن خطاب أوباما كل ذلك بالتفصيل، كما نشرت قصيدة فيها تناول لبعض ما فصلته مطلعها:

تأملت فيما قال باراك أوباما

فألفيت ما أبداه حول الحمى حاما

واختتمتها بما يأتي:

وللسلم نادى الخيِّرون فما جنوا

بمسعاهُمُ إلا سراباً وأوهاما

هو الحق من يطمح إلى عز أمة

فلا بد في دنياه أن يرفع الهاما

وأن يجعل التصميم سيفاً بكفه

أمام من احتلوا ثرى القدس صمصاما

فمن كان أسلوب التمسكن دأبه

قضى عمره يقتات ذلاًّ وآلاما

مساكين نحن العُرْب يكفي نفوسنا

مجاملة من ساسة الغرب إكراما

وإن منَّ بالقول الجميل منوَّه

هتفنا وردَّدنا: (نحبك أوباما)

أعان الله أمتنا على نفوس بعض أهلنا، وأعانها على كافة أعدائها.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد