Al Jazirah NewsPaper Thursday  27/08/2009 G Issue 13482
الخميس 06 رمضان 1430   العدد  13482
أتون حرب.. وقودها المخدرات!
د. سعد بن عبد القادر القويعي

 

تعتبر المخدرات من أكبر المشكلات التي تعاني منها دول العالم - بلا استثناء -، لما لها من أضرار على النواحي الأمنية والاقتصادية والصحية والاجتماعية.

فهي آفة العصر التي استشرت وانتشرت وفتكت بأبنائنا وبناتنا ومجتمعنا، حتى وصفها العلماء بأنها (أم المشاكل)، لما تحدثه من انعكاسات سلبية على الأسر ورفقاء الفرد وإنتاجية العمل، حيث أظهرت الأبحاث العلمية أن الاستعمال الطويل، أو غير الطبي للمخدر ينتج عنه تغيّرات حاسمة في وظائف المخ، والتي تدوم طويلاً حتى بعد توقف الأفراد عن التعاطي، إضافة إلى تأثيراتها السلبية المتعددة على الصحة الجسدية والنفسية لمتعاطيها.

تقرير الأمم المتحدة عام 2008م، عن المخدرات بيَّن أن هناك تدهوراً خطيراً بات يفتك بشباب العالم على وجه التحديد من خلال تزايد حجم التعاطي، وارتفاع قابلية التعاطي، وزيادة مستوى تجارة المخدرات غير الشرعية، وهو ما يفسّر حجم الزيادة المطردة في تعاطي وانتشار المخدرات بجميع أنواعها في المملكة، - وخصوصاً - (الهيروين)، والمؤثّرات العقلية من نوع (كبتاجون والحشيش والقات). فبلادنا مستهدفة من قِبل مروّجي عصابات المخدرات في دينها وأجيالها، وهي كباقي دول العالم تؤثّر وتتأثر بما يدور حولها.

وقد واجهت المملكة خلال السنوات الماضية حرباً خفيَّة مع تجار المخدرات، ومروِّجيها ومهرّبيها، ومتعاطيها على أكثر من جبهة وفي جميع الأوقات. فوصفها - سمو الأمير - نايف خلال الاجتماع الأول للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، بأنها: (كارثة)، ويحتاج الأمر إلى إبراز المشكلة أمام الناس، وتبيان مخاطرها ليشترك الجميع في محاربتها.

يقول - الأستاذ - إيهاب العصار: أصبح من المؤكّد في عصرنا الحديث أن هناك بعض أجهزة الاستخبارات التابعة لعدد من الدول تقوم باستخدام آفة المخدرات سلاحاً في إدارة وقيادة حروبها السرية والعلنية ضد دول أخرى، وذلك من أجل تحقيق أهداف في الغالب ما تكون أمنية، أو سياسية، ومن أجل الهيمنة والسيطرة، أو نشر الإرهاب والفلتان الأمني، وإلحاق الضرر بالنظام السياسي، والعمل على إسقاطه وتغييره بسبب أن سلاح المخدرات أثبت نجاعته في تدمير الشعوب، وإنهاك اقتصادها الوطني، واستنزاف أجيال كاملة من القوى البشرية والشباب..

إن الهدف المعلن من التهريب والاتجار بالمخدرات، هو الكسب المادي للمروِّجين المحليين، وبعض العصابات الدولية، إلا أن هناك أهدافاً أخرى سرية سياسية واستخباراتية غير معلنة، هي الغاية الحقيقية من وراء عمليات التهريب والاتجار بالمخدرات والسلاح وغسل الأموال، وهي في العادة ما يكون خلفها تنظيمات دولية على مستوى عال من الحرفية، وربما على علاقات بجهات استخباراتية خارجية تابعة لدول تهدف إلى نشر هذا الوباء بين صفوف أجيال الشباب، من أجل تدميره وتحويله إلى مجموعات من المدمنين والمرضى والعاطلين عن العمل، ولكي يصبح العنصر البشري أداة هدم وإجرام، وليس أداة بناء وتعمير، مما يؤدي إلى إلحاق الضرر الفادح بالاقتصاد الوطني والبنيان العائلي والاجتماعي والثقافي، والعمل على الإخلال بالأمن والنظام العام، ونشر الجريمة بين صفوف المواطنين، وحجب أنظار الأجهزة الأمنية عن المشاكل الحقيقية، وتوجيه إشغالها في محاربة عصابات المخدرات، من أجل استنزاف المجهود الأمني والقومي والاقتصادي. صحيح أن الجهود التي تبذلها وتقوم بها الإدارة العامة لمكافحة المخدرات مع كافة الأجهزة الأمنية المختلفة والجمارك وحرس الحدود، هي جهود ملموسة تتمثَّل في تبادل المعلومات، والإخبار عن المهربين، والمواد المهربة بين المنافذ الجمركية، فهي جهود تذكر فتشكر، إن في مجال التوعية، أو في مجال المطاردة، إلا أن المعالجة تتطلب نظرة شمولية تتجاوز جهود تلك المؤسسات الأمنية، كالمؤسسات الدينية والإعلامية والتربوية بزيادة الوعي الثقافي بأضرار المخدرات المحدقة بأبنائنا وبناتنا، وغرس الاتجاهات السليمة نحو خطر هذه الآفة وأضرارها لديهم. وحتى لا نعالج نتائج السلوك المنحرف فقط، بل نعالج الدوافع الحقيقية وراء تلك المشكلة فإننا بحاجة إلى الاستفادة من دراسات مراكز أبحاث مكافحة الجريمة، والأخذ بتوصياتها.



drsasq@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد