Al Jazirah NewsPaper Thursday  27/08/2009 G Issue 13482
الخميس 06 رمضان 1430   العدد  13482
شيء من
لا تقل (مُتشدداً) إلا بفتوى!
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

الدكتور إبراهيم بن ناصر الحمود، يعمل - كما عرّف بنفسه - في المعهد العالي للقضاء، ردَّ على مقالٍ كتبته في الجزيرة عنوانه (فليُخصَ الرجال خوف أن يزنوا)، تحدثت فيه عن خطورة (تطبيقات) قاعدة (سد الذرائع) في تاريخنا. الرد رغم طوله، وتشعباته، لم يأت بجديد؛ فقد كان في مجمله استعراضاً لقواعد وعموميات موجودة في كتب الفقه، يستطيع أي كاتب أن يرجع إليها، ويلخصها، ثم يختزلها في نقاط - كما فعل الدكتور - ويطرحها على بساط البحث؛ لكنها تبقى (عموميات) في التحليل الأخير.

الذي يهمني ككاتب وناقد صحفي - يا فضيلة الدكتور - أن نقرأ (التطبيقات) على أرض الواقع قراءة موضوعية، وكيف تم (تفعيل) هذه القاعدة عملياً تجاه المستجدات، وإلى أين انتهت بنا، أو كانت ستنتهي بنا..

وللتوضيح أكثر خذ - مثلاً - تحريم أو منع التنقيب عن النفط (بذريعة) أن من كان يقوم به كفار كما قال بذلك أحد فقهائنا؛ ولك أن تتصور لو أن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - أخذ بقول من قال بهذا الرأي، وطرد المنقبين (الكفار) من البلاد، ماذا سيحل بنا، وببلادنا، وباقتصادنا، وتنميتنا؛ (فتطبيق) قاعدة سد الذرائع هنا ستكون (كارثية) بكل ما تحمله الكلمة من معنى..

وأنا هنا لا أتكلم عن نظريات، أو تصورات، أو افتراضات، وإنما عن تاريخ قريب لا يمكن أن يتجاوزه إلا مغالط.

أريدك - أيها الأستاذ الكريم - أن تخرج من قمقم النظريات المجرّدة، وقال السلف، ورجح الخلف، وتقرأ واقعنا كما هو عليه، ثم قارن ما قاله ابن حزم - رحمه الله - بما هو واقع (تطبيقاً) على الأرض؛ وابن حزم لم يطلب سوى (الاستيقان) وليس مجرد الاحتمال الظني.

والتيقن في مثل هذه الأمور مطلب معقول لا يمكن أن يرفضه الإنسان الموضوعي.

نقطة ثانية جاءت في رده أجد أنها - أيضا - تستحق النقاش.

يقول الدكتور: (من المعلوم أن وصف طائفة من طلاب العلم بالمتشددين فيه نظر (!)، لأن هذا العالم له رأيه واجتهاده في المسائل الاجتهادية، وكون هذا الرأي لا يوافق هوى الكاتب فلا يحق له أن يصفه بالتشدد وإنما يعرضه على من هو أفقه منه ليحكم عليه، فإن فاقد الشيء لا يُعطيه، ولكل مجتهد نصيب).

الوصف بالتشدد - حفظك الله - قضية رأي شخصي، وهي كذلك (نسبية)، تتعلق بتقدير من يصف هذا أو ذاك بالتشدد؛ ولم أسمع أن القول بتشدد فلان في قضية، وتسامح آخر في أخرى، قولٌ يستدعي (حكم) فقيه، أو (فتوى) مفتي؛ هذا - عدّاك الله شر العين - (مخترع) جديد، يجب أن يُسجل باسم فضيلتكم؛ فلم يسبقك حسب علمي أحدٌ عليه؛ ويعني في السياق والنتيجة - أيضا - أن (يُعطل) المسلم عقله ويُعطي (الوصاية) عليه وعلى رؤاه (لفقيه)..

وهو ما لا يمكن قبوله من حيث المبدأ؛ فلا (كهنوتية) في الإسلام، ولا (وصاية) لأحد على أحد، طالما أن كل نفس بما كسبت رهينة.

أما ثالثة الأثافي كما يقولون فهي قوله: (ولا عيب في ترك المباح من باب الورع، لأن المباح لا يجب فعله ولا يعاقب أحد على تركه، ونقل عن الحسن البصري - رحمه الله - قوله: (ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الوقوع في الحرام).

انتهى..

أن يترك الفرد مباحاً فهو حر، وهذا اختياره الشخصي، ولن يُجبره أحد على فعل ما تركه؛ غير أننا نتحدث هنا - يا فضيلة الدكتور - عن (فرض) ترك المباح فرضاً على الآخرين سداً للذريعة؛ و(الخلط) بين الخاص والعام ظاهر في هذه المقولة، أربأ (بمُعلمُ قضاتنا) أن يقعَ فيه! الأمر الآخر الذي يجب أن يدركه الدكتور ومن يرى رأيه أن أي قضية تتعلق بالمصالح والمفاسد، أو حتى سد باب الذرائع، لا يستطيع (اليوم) أن ينظرَ فيها إلا (ولي الأمر) صاحب البيعة، فهو، من خلال خبرائه، وأجهزته، وآلياته، القادر (حصراً) على تقدير (المفسدة) الواجب درؤها و(المصلحة) المتعيّن جلبها، بناء على ما لديه من معلومات، وما تقتضيه ولايته من تلمس مصالح البلاد والعباد.

أما أن يُصبح (الفقيه) هو الذي يُقدر، ويوازن، ثم يُفتي، و(يلزم) الناس باتباعه، فهذا سيُعيدنا إلى نفس المربع الذي نحاول أن نتجاوزه منذ أن (حرّم) أسلافنا الاعتماد على الكفار في التنقيب عن النفط والمعادن عملاً بسد الذرائع.

إلى اللقاء..




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد