Al Jazirah NewsPaper Sunday  30/08/2009 G Issue 13485
الأحد 09 رمضان 1430   العدد  13485
نوافذ
الطريق طويلة
أميمة الخميس

 

الحرب دامسة والطريق طويلة، هكذا سيتبدى لنا المشهد بعد سماعنا حادثة الاعتداء على سمو نائب وزير الداخلية، وإن كانت القضية في بعض أبعادها تتخذ لها بعداً إقليمياً من خلال الانفلات الأمني في العراق الذي بدوره يصنع معسكراً لتدريب الخلايا الإرهابية، نجد من ناحية أخرى أن الوضع المتصعد في اليمن والقرن الأفريقي يصب في السياق نفسه، إضافة إلى التجاذبات الدولية في المنطقة جميع هذا المناخ من الممكن أن يخلق بؤر توتر ومنافذ للإرهاب، لكن على المستوى المحلي لماذا تجد بذاره وجذوره لدينا البيئة الصالحة لاستنبات الأذرع المتوحشة وتسخيرها للبطش بنا وبأمننا واستقرارنا بشكل متصل؟

اعتدنا في السنوات الأخيرة أن تكون الحوادث الأمنية مدخلاً موسمياً للعديد من كتاب الرأي محاولين الاقتصاص من جهة معينة كانت في السابق غير قابلة للمس أو المراجعة، فتنهض وسائل الإعلام بالتحليلات التي تقترب من التراشقات والتجاذبات في الرأي، للنيل من فكر كان يستحوذ على المشهد، وأيضاً بهدف تبيض الصفحة أمام السلطة السياسية وتقليص نفوذ الطرف الآخر الأيدلوجي ومؤسساته التنفيذية في المجتمع، ولكن على الغالب كان هذا الأمر موسمياً يتسم بالجيشان الانفعالي والآنية.

لذا بظني مع الأسف لم نستطع طوال السنوات الماضية من المواجهات الأمنية أن نؤسس لمشروع فكري وطني بهدف ورؤيا يجعل من اللحمة الوطنية هي الأساس الذي ننطلق منه، مشروع يكون في غالبية برامجه التنفيذية مستهدفاً فئة الشباب وقادراً على احتوائهم فكرياً من الفخاخ التي تترصد بهم في الحياة اليومية، وجاءت المفارقة هنا استهداف الرمز الشاب في المؤسسة الأمنية والذي عرف عنه طيبته ودماثته مع المتهمين، ولكن هل القضية أمنية فقط؟

على سبيل المثال الستار الحديدي الذي ينسدل على الفضاء العام يزخر بالكثير من الممنوعات والمحاذير لكنه في الوقت نفسه على الجانب الآخر لا يوفر أنشطة إنسانية سامية تهدف إلى الحق والخير والجمال لتأخذ مساحتها في المشهد، فالشعوب عبر التاريخ كانت تحرص على الأنشطة المرادفة والداعمة للنشاط الإنساني النفعي المتصل بحاجته الغرائزية فقط، فرعاية الأنشطة الرديفة تأخذ المجاميع بعيداً عن التوحش والعنف وقوانين الغابة، وبذلك تصبح الفنون والآداب ذات المضمون الراقي والهادف هي المقياس الحضاري للشعوب.

قرأت خبراً نشر في الصحف الأسبوع الماضي يحمل الكثير من المؤشرات الإيجابية في بعض نواحيه، حول تمكن شرطة الرياض من لن أقول هنا (القبض) بل توجيه ومحاسبة حوالي 800 شاب حول هيئتهم الخارجية المفتقدة للياقة والخادشة للذوق العام، البعد الإيجابي في الخبر أن الشرطة هي التي تولت رعاية الآداب العامة وهذا أمر مهم في الهيكلية الأمنية للمدينة الحديثة، وعندما يشترك أولياء الأمور في الموضوع بالتأكيد سيحل الموضوع بشكل لائق يحترم إنسانية وكرامة الشباب، ولكن من ناحية أخرى لابد أن نعرف أن شعر الشاب الذي قصرناه سيعود ويطول، فما لم يكن هناك إرادة داخلية عميقة، وما لم يكن هناك فعاليات وأنشطة ومراكز أحياء مهيأة بل مشروع وطني تنخرط فيه جميع مؤسسات الدولة، مشروع قادر على احتواء الحيوية المهدرة التي قد تتحول إلى حالة سخط وتمرد فستظل الأرضية مفخخة بالألغام التي تلتقم الشباب سواء ما ظهر على شكل توحش إرهابي وانسياق لأجندة معادية للوطنية، أو من خلال الاستسلام للمد العالمي المختلس للهوية الوطنية على حساب الموضات والصراعات المغيبة للرجولة.

بعد كل حادث إرهابي مفجع نقرع صافرات إنذار حادة عن أوجاع الواقع، ولا أحد يدعي بأنه امتلك الحلول ولكن على الأقل جميعنا نعرف بأن هناك تحدياً وطنياً كبيراً يترصد بنا.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد