Al Jazirah NewsPaper Wednesday  02/09/2009 G Issue 13488
الاربعاء 12 رمضان 1430   العدد  13488
مركاز
قراءات -1
حسين علي حسين

 

قرأت عدة روايات من الأدب الأفغاني، وكلها تدين ما يجري هناك، من فرط لاستخدام القوة ومن قهر للإنسان نتيجة الحجر على حريته وعدم خلق فرص معيشية، وفوق ذلك كله هيمنة قلّة من الناس على مقاليد الأمور المدنية والعقائدية، وكان الناس انتقلوا في لحظة من خازوق إلى خازوق، فمن الفترة الشيوعية إلى الفترة الإسلاموية، كل تلك الروايات كانت تفتقر إلى الشفافية، التي توفرت لنص الكاتب الجزائري (يا سمينة خضرا) وروايته الآسرة (سنونوات كابول)، في هذه الرواية الصغيرة الحجم (200 صفحة) لا تحضر الحرب بشكل مباشر، لكن آثارها واضحة، كم وافر من الشحاذين والمعوقين والمعتوهين والعاطلين عن العمل، خصوصاً أبناء الطبقة التي كانت برجوازية، مثل (محسن آل مات وزوجته زنيدة) تعلّما تعليماً راقياً وحديثاً لكن الأوضاع الجديدة جعلته مثل الأوراق النقدية القديمة، رقم لكن لا قيمة له!

مقابل ذلك هناك سوق رائجة لمن يجلبون الخارجين على القانون، رجالاً ونساءً، ليدفعوا بهم إلى زنزانة مظلمة ورطبة وحارة مليئة بالظلام والذباب والحشرات، هؤلاء الجلابون يركبون سيارات الدفع الرباعي ولديهم المال والزوجات والعديد من المشاريع الغامضة، أما السجان فهو غارق في هموم لا تنتهي، ولا يجد سلواه إلا متمدداً على سرير صدئ في ظلام السجن، وكأنه الساجن والمسجون معاً، لكن هذا السجان المفتقد للعاطفة الإنسانية يدخل الحب على قلبه من أوسع أبوابه عندما يأتون ب(زنيدة) التي دفعها القهر والفراغ القاتل إلى دفع زوجها ليسقط ميتاً مضرجاً بدمائه، ميتة سريالية، دخلت بسببها إلى السجن، هناك أحس عتيق السجان وكأن شمعة قد أضاءت الزنزانة، غيَّرت هذه السجينة البائسة حياته رأساً على عقب، ولم تجد زوجته اليائسة من الشفاء من مرضها ووحدتها وعقمها وهي ترى زوجها محباً لأول مرة إلا أن تذهب إليه في السجن هناك طلبت منه بإلحاح إقناع (زنيدة) بالخروج لتحل محلها في الزنزانة، وعند الحكم لن يفرق سادن السجن بين شادور وشادور، خرجت زوجته لحظة تنفيذ الحكم، أعدمت، لكن السجينة المفرج عنها اختفت ليتحول عتيق إلى فاقد للعقل مضراً بنفسه وبالآخرين يفتش أو يعتدي على كل عابرة ظناً بأنها الحبيبة (زنيدة).. في الطرف الآخر الإعدام شنقاً وبحضور الوجهاء وجبة أسبوعية. والإعدام رجماً في كل يوم، والكرابيج سوط الناس كل الناس، لا أحد يعمل، الكل يراقب الكل، هذه الرواية وثيقة إدانة لطائفة من الناس حكموا بلداً، فقطعوا عنه الماء والهواء، ولو لم تتدخل الدول لكان الوضع عصيباً، إنهم الذين يشربون الماء ويتنفسون ولكن ببطء، بطء شديد!!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد