Al Jazirah NewsPaper Friday  04/09/2009 G Issue 13490
الجمعة 14 رمضان 1430   العدد  13490
نوازع
متعة القراءة
د. محمد بن عبدالرحمن البشر

 

أستسمح الأمير سلمان بن عبدالعزيز أن أبوح بمعلومة ربما لا يرغب سموه الإفصاح عنها، وهو أنه قرأ منذ بداية العام حتى الآن ما يزيد على خمسين كتاباً مختلفة الأحجام، متنوعة المشارب، رغم أن حجم عمله اليومي لم يتغير، وحجم عمله الهاتفي قد تضاعف، فأناب صوته عن رؤية شخصه.

والقراءة دأبه منذ زمن بعيد، وأسمح لنفسي بالقول إن قراءته قراءة استيعاب لجل ما حواه كل كتاب، يستشهد فيشفي، ويقيم الحجة فيفري، ويشرح فيسري ويبحر، ويناقش فيورد ويصدر، يسأل عن كل خافية، ويبحث عن القاصية والدانية، ومن رأى فعله بعينه وسمع بأذنه أدرك مقدار الإمعان، وقال كلمة حق دون زيادة أو نقصان، ومن كان معه في هذا الميدان فعليه أن يكون حاضر الذهن عالما بمكامن العلم يتوقع سؤالاً عن شاردة من الشوارد عفا عليها الزمن، فقيض الله لها من سأل عن حالها، وأصبحت كالدرة في البحر يبحث عنها الغواصون، ويتسابقون لعل وعسى، وهي كامنة في مكمنها، وربما يهتدي أحدهم فيفتح الصدفة لتظهر تلك الدرة، فيعود بها فرحا بعد عناء.

وهناك كتب ربما قرأها للمرة الثانية أو مخطوطة فأصبحت مطبوعة، مثل كتاب (تحفة المشتاق) أو (تاريخ ابن العبون) أو مطبوعات جديدة مثل معجم بعض الكلمات الشعبية في نجد وكتاب مقتطفات من التراث الشعبي وكتاب الحداوي وكتاب العلاقات السعودية البحرينية في عهد الملك عبدالعزيز وكتاب دبلوماسي من طيبة لمعالي الدكتور نزار مدني وغيرها كثير، أو كتب تم طبعها منذ فترة من الزمن مثل ذاكرة ملك وكتاب منهاج الطلب وغيرها. أما كتاب مآسي الأندلس الذي قمت بتأليفه فقد صحح الأمير لي فيه بيتاً من الشعر استشهدت به وسأضمن الطبعة القادمة ذلك التصحيح.

والأمير يثني أطراف بعض الصفحات التي تحوي زادا من العلم فتستهويه أو يرى أن فيها فائدة علمية تستحق العودة إليها، وربما الاستشهاد بما فيها، أو لمقارنتها بسابقة لها، وهكذا تكون تلك الصفحات المثنيات ذات دلالات تيسر سبل الانتفاع، وتعين على سرعة الاطلاع.

ومن عادته ألا ينام إلا وبيده كتاب، فقد كفاه الله شر التلفاز، والحقيقة أن بعضا من الناس في زمننا لا يجد النوم إلى أعينهم سبيلاً إلا بعد أن يكون التلفاز مفتوحاً والمسير في يده يغمزه ليغير القناة، فتتنقل عيناه من محطة إلى أخرى بحثاً عن مسلسل أو دراما، أو أغنية أو تحليلاً إخبارياً. أما هواة الشعر فربما يتجهون إلى تلك القنوات التي ملأت السماء بالشعر الشعبي، بعد أن غاب نجم الشعر العربي الفصيح، الذي كان يسير به الركبان، مثل شعر امرؤ القيس وزهير بن أبي سلمى، والنابغة الزبياني، وطرفة بن العبد، وعمرو بن أم كلثوم، وعنترة بن شداد والحطيئة وعمرو بن أبي ربيعة، والأخطل وجرير والفرزدق وغيرهم كثير، وبعد أولئك المتنبي. وبخلاص الأمير من التلفاز عند المنام أضحى الكتاب رفيق الأحلام.

إن عادة القراءة عند النوم تذهب الهواجس، وتزيد المعارف، وتساعد على الإسراع في النوم، فمن استطاع أن يعوِّد نفسه عليها فقد غنم، وقليل ما هم في عصرنا هذا.

اعتاد الأمير أن يستيقظ من النوم مبكرا جدا، ومن يستيقظ مبكرا فلابد أن يكون لديه متسع لاستثمار وقته، وقضاء عمله اليومي إذا ما صاحب ذلك تركيز مع سرعة في الأداء، فالوقت كاف لمن استثمره وغير كاف لمن مشى الهوينى كما يمشي الوجي الوحل.

أعرف بعضا من الناس ينامون أكثر من تسع ساعات ويمكثون في الفراش بعد الاستيقاظ نحو ساعة، ويقضون على الفراش ساعتين أو أكثر قبل الخلود إلى النوم، فأعجب كيف لمثل هؤلاء أن يستمتعوا بالحياة، والحياة هي الوقت، إن استثمرته في صالح أمور الدين والدنيا كان الفوز هو المآل بعد توفيق القدير المتعالي، ولذا فقد قال أسلافنا (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك).

ربما لا يستحسن الأمير بوحي بشيء من خصوصياته، لكنها تجربة عملية رأيت أنها كانت وما زالت تستحق الطرح أمام القراء ليعلموا أن ما يشاهدونه من أقوال وأفعال وخِلال ونجاحات يحققها الأمير فتثير إعجابهم، إنما هي نتاج تلاقح ما ظهر مع ما خفي على الكثير منهم. فآثرت أن يستفيد من يرغب في الإفادة ويستزيد من يرنو إلى الزيادة، فتجارب الرجال مدارس ومناهجهم زاد للدارس والدنيا دروب والخِيرَة لنا في دروبنا وكل منا يختار بذاته الدرب الذي يستحقه.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد