Al Jazirah NewsPaper Friday  04/09/2009 G Issue 13490
الجمعة 14 رمضان 1430   العدد  13490
تطبيع فتح
داوود كتاب

 

لقد خَطَت فتح، الحركة الفدائية الرائدة داخل منظمة التحرير الفلسطينية، خطوة واحدة نحو التحول إلى حزب سياسي طبيعي. فمؤخراً اختتمت فتح مؤتمرها السادس الذي انعقد للمرة الأولى في الأراضي المحتلة، وهو ما يعني أن إسرائيل سمحت بدخول الفدائيين السابقين من لبنان والأردن. ويبدو أن المؤتمر نجح في إعادة توحيد وتنشيط الحركة، التي ظلت تعاني منذ وفاة مؤسسها وزعيهما ياسر عرفات.

في إطار المؤتمر، صوت أكثر من 2000 مندوب يمثلون فدائيي فتح السابقين وناشطي الانتفاضة على مواصلة كافة أشكال المقاومة من أجل تحرير فلسطين. غير أن تعبير (المقاومة المسلحة) غاب عن كل الوثائق التي وافق عليها المشاركون في المؤتمر. ولقد أوضح محمود عباس - الذي انتحب بالإجماع زعيماً لفتح وقائداً أعلى للقوات المسلحة أنه رغم بقاء كل الخيارات متاحة لإنهاء الاحتلال فإن المفاوضات ما تزال تشكل الخيار المفضل. وفي حين أخذ البعض (مثل وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك) حديث بعض المندوبين عن المقاومة على محمل الجد، فقد أكد نبيل عمرو المتحدث باسم الحركة رسمياً لكل الجهات المعنية أن فتح (ملتزمة بالحل السلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي).

إن أي منظمة لا توفر الآليات الديمقراطية اللازمة للتغيير والتجديد تميل إلى الإصابة بالشيخوخة والرتابة وعدم الفعالية. ولقد تجلت تأثيرات الشيخوخة والإنهاك في أوضح صورها في الأعوام القليلة الماضية، بعد أن خسرت فتح الانتخابات التشريعية لصالح حماس للمرة الأولى في تاريخها، ثم خسرت تواجدها في قطاع غزة.

إن الدلائل التي تشير إلى أن حركة فتح تتجه نحو التحول إلى حزب سياسي طبيعي وفيرة. فقد اختفت الحلل العسكرية وظهرت حلل رجال الأعمال وبطاقات الهوية اللائقة للمندوبين. وفي محل القرارات غير المعلنة والتوجيهات الصادرة من أعلى إلى أسفل، رأينا عملية ديمقراطية شارك فيها الجميع حيث سقط العديد من قادة فتح التاريخيين على جانبي الطريق، الأمر الذي أفسح المجال أمام قادة جدد من الشباب الذي يتمتعون بالشعبية في الداخل. أما السجناء الذين تحتجزهم إسرائيل في سجونها فقد مُنِحوا عشرين مقعداً في المجلس الثوري الموسع الذي أصبح مؤلفاً من مائة مقعد. وكان مروان البرغوثي، وهو أحد زعماء الانتفاضة السجناء، من بين أكثر زعماء اللجنة المركزية الجدد حصولاً على الأصوات في الانتخابات (اللجنة المركزية هي الهيئة التنفيذية للحركة).

لا شك أن العشرين عاماً التي مرت منذ انعقاد آخر مؤتمر خلقت فراغاً ضخماً، ولكن هذا الفراغ سرعان ما مُلئ بناشطي الانتفاضة المخضرمين وليس الفدائيين المقاتلين على الطراز القديم الذين هيمنوا على الحركة منذ تأسيسها. وكان أربعة عشر من الأعضاء التسعة عشر المنتخبين لعضوية اللجنة المركزية من المرشحين لأول مرة لخوض الانتخابات، وأغلبهم يمثلون قيادة انتفاضة 1987 في الأراضي المحتلة. وكان هذا التحول العمري والجغرافي لعضوية حركة فتح سبباً في فشل بعض زعماء الحركة التاريخيين، من أمثال انتصار الوزير (أرملة الراحل أبو جهاد)، في الفوز بالأصوات.

فضلاً عن ذلك فإن انعقاد المؤتمر في فلسطين أنهى دور العديد من زعماء حركة فتح الذين عارضوا اتفاقيات أوسلو، مثل فاروق القدومي ومحمود جهاد. كما جاء تهميش رجال مثل القدومي، والذين اتهموا عباس ومحمد دحلان في عشية انعقاد المؤتمر بمساعدة إسرائيل في تسميم عرفات، ليساعد في مباعدة المسافات بين حركة فتح وتحالفها لمرة واحدة مع بلدان عربية متشددة مثل سوريا وليبيا.

في خطاب التسلم، أشار عباس إلى قادة الانتفاضة الأولى، لافتاً نظر المشاركين في المؤتمر إلى إسهامهم في رسم المبادئ التوجيهية التي تحولت فيما بعد إلى برنامج سياسي للحركة. والآن أصبح زعماء مثل البرغوثي، ورئيس جهاز الأمن الوقائي السابق جبريل الرجوب، ودحلان من غزة، في مقعد قيادة حركة فتح.

ولقد ألقى دحلان، الذي اتهمه البعض بتحمل المسؤولية عن خسارة غزة لصالح حماس، خطاباً قوياً اتهم فيه قيادات فتح السابقة بخسارة غزة قبل وقت طويل من سقوطها فعلياً في قبضة حماس في يونيو/حزيران 2007. ولقد أوضح دحلان بالتفصيل كيف تجاهلت قيادات فتح السابقة تحذيراته والتماساته المتكررة التي رفعها إلى أعضاء اللجنة المركزية للقدوم إلى غزة لكي يطلعوا بأنفسهم على الموقف على الأرض.

إن حركة فتح ما زال أمامها شوط طويل قبل أن تتحول إلى حزب سياسي تام النضوج. ولقد اتفق المندوبون بأغلبية ساحقة على أن الحركة لابد وأن تظل منفتحة على خيار العودة إلى العمل السري إذا فشلت مفاوضات إقامة الدولة، بينما أبدوا استعدادهم الواضح للتحول إلى حزب سياسي في حالة ولادة الدولة الفلسطينية. ورغم ذلك فإن نتائج مؤتمر حركة فتح السادس تعكس انحيازاً واضحاً لصالح التحول إلى حزب سياسي وليس البقاء كحركة مقاومة مسلحة.

صحافي فلسطيني - رام الله
خاص الجزيرة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد