Al Jazirah NewsPaper Friday  04/09/2009 G Issue 13490
الجمعة 14 رمضان 1430   العدد  13490

نصف رمضان!
د. هدى بنت دليجان الدليجان

 

لقد انتصف الشهر، وبقي منه النصف الآخر:

تنصف الشهر والهفاه وانصرما

واختص بالفوز بالجنات من خدما

من فاته الزرع في وقت البذار

فما تراه يحصد إلا الهم والندما

فهل حاسبنا أنفسنا على ما قدمنا، فإن كان خيراً فلنحمد الله، وإن كان غير ذلك فالبدار إلى توبة صادقة، تمحو الذنب وتغفر الخطيئة، وكما جاء عن الحسن قال: المؤمن قوام على نفسه، يحاسبها لله عز وجل. وقال: من سرته حسنته، وساءته سيئته فهو مؤمن.

فللعبادة في رمضان طعم سائغ، ورائحة زكية يشعر بها المؤمن عن بقية الشهور، فتكاليف الصيام هي نفس تكاليف بقية الشهور من الصلاة والعمرة، لكن يجد الإنسان في رمضان خفة في العبادة ونشاطاً غير العادة، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (لكل عمل شرة وفترة، فمن كانت فترته الى سنتي فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك).

وفي قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) (60 سورة المؤمنون)، قالت عائشة: أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يا بنت الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق، ويخاف أن لا يقبل منه).. رواه الترمذي، وأخرجه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.

عزيزي القارئ: هل رأيت نفسك في أول رمضان؟ هل رأيت إقبالك على الصلاة على قراءة القرآن؟ هل ازداد إيماننا؟ هل تقربنا إليه شبراً؟

أم أن نصف رمضان مر مرور الكرام!!

فلنتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب)، فكل منا يحرص على سلامة ثوبه، ونظافته بل وجماله وأناقته فضلاً عما اشتهر الآن وفاض من الماركات العالمية في اللباس والغذاء والدواء حرصاً على تحقيق معايير الجودة فيها، فهل نحرص أن يكون إيماننا في نفوسنا سليماً نظيفاً جميلاً جديداً متجدداً، ولا يحصل هذا إلا بحصول أسباب وانتفاء موانع: منها:

1- الإخلاص، فالصيام في رمضان عبادة وليس عادة، فاخلص النوايا وجدد المطايا لتكون طائعة لمن فرض علينا صيام رمضان.

يقول الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - خرجت في إحدى الأيام إلى السوق، فأشار إليّ رجلان يتحدثان بينهما قال أحدهما للآخر: هذا الذي يقوم الليل، فيقول: فاستحييت أن يكون لي من العمل ما لا أعمله، ويظن الناس بي خيراً، فيقول: ثم داومت بعد ذلك على قيام الليل كله.

2- المراقبة لله عز وجل في كل الأمور والحركات، والتوجه إليه بالعبادة في الصحو والنوم، قال معاذ رضي الله عنه (إني لأحتسب قومتي كما احتسب نومتي). وكما قال الحسن: الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، فما الذي وقر في قلوبنا في شهر البركة، وما العمل الذي قدمناه صدقاً لما في قلوبنا في منتصف شهر الخير والغفران.

وكذا لا يزال الصيام مليئاً بالدروس النافعة للمسلم، فهو دورة تدريبية كاملة على الإيمان، وهو مدرسة عظيمة الدروس والأبواب.. ولكن هذا حديث المقل، وجهد المقصر، وإنما هي إشارات لطيفة، ومفاهيم عابرة، ولمحات خاطفة لآيات الصيام في القرآن الكريم.

فليكن هذا الشهر بصيامنا له وقيامنا ودعائنا وجميع عبادتنا خالصة لوجه الله تعالى، وموافقة لسنة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم متوجة بالشكر للواحد الأحد شهادة أمام الله على قبولنا في هذه المدرسة العظيمة، مدرسة الصيام.

الأحساء

drhuda87@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد