Al Jazirah NewsPaper Friday  04/09/2009 G Issue 13490
الجمعة 14 رمضان 1430   العدد  13490
الضرر لا يُزال بمثله!
د. مزنة بنت مزعل العيد

 

يخطئ كثير من الناس حين يأخذ ببعض أحكام الضرورة، ظناً منه أنه يسعه الأخذ بها غاضا ومتناسيا ومتجاهلا بعض جوانبها التي يجب أن يتوقف عندها حتى يدرك أنها تحققت وأنها ضرورة تستدعي التخفيف والأخذ بأحكامها المترتبة عليها كالترخص على سبيل المثال. والضرورة في أبسط معانيها: هي الحالة التي تطرأ على الإنسان مما يترتب عليها حدوث الضرر أو التلف لبعض الضرورات الخمس، ولقد وضع العلماء للضرورة ضوابط كي يصح الأخذ بحكمها وتخطي القواعد العامة في التحريم والإيجاب بسببها وهي كالتالي:

الضابط الأول: أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة أي متيقنة أو مظنونة ظنا قوياً، بمعنى أن يحصل الضرر في الواقع أو بغلبة الظن عندئذ يجوز الأخذ بالأحكام الاستثنائية لدفع الضرر عنه. وكثير من الناس من يتوهم أنه في ضرورة أو يتوهم أنه سيقع فيها في وقت معين فيبادر بالأخذ بأحكامها منذ توقع حدوثها مع أن هذا كله وهم، بل هو أقرب لاتباع الهوى لأن الضرورة الحقيقية هي التي يعيشها الإنسان ولم يجد مفرا منها، كمن يصيبه مرض يعجزه عن القيام في الصلاة أو من يعاني من الجوع الشديد ولم يجد إلا حراما فله أكله.

أما الضرورة الوهمية فهي الضرورة التي يتوهمها الإنسان ويتشبث بها دون وجود قرائن أو دلائل صادقة كفيلة بأن تدله على أنها ضرورة لا تستدعي الأخذ بحكمها ومن الأمثلة عليها: تناول بعض الأشياء المحرمة كالدخان والمخدرات مثلا بدعوى الاضطرار إليها بحيث يتعللون بأنهم لا يستطيعون الإقلاع عنها مع اعتراف متعاطيها بأنها مضرة للصحة ومضيعة للمال دون أي فائدة تذكر، فيتوهمون أنهم في حكم المضطر إليها فهذه ضرورة وهمية يلبس بها الشيطان على هؤلاء حتى يبرروا إدمانهم على تلك المحرمات.

الضابط الثاني: أن تكون هذه الضرورة ملجئة بحيث يخشى المضطر التلف (النفس، أو الأعضاء).

الضابط الثالث: أن يتعين على المضطر مخالفة الأوامر والنواهي الشرعية أو ألا يكون لدفع الضرر وسيلة أخرى من المباحات إلا المخالفة.

الضابط الرابع: أن تكون الضرورة متفقة مع مقاصد الشرع، فالضرورة مصلحة والمصلحة لا بد أن تنطلق من الشرع، فلا التفات لمصلحة يحكم بها العقل وحده إذ لا بد أن تكون راجعة إلى مقصود الشرع.

فإذا ناقضتها فليست مصلحة وإن توهم متوهم أنها هي فلا يحل له الزنا أو القتل الغصب بأي حال من الأحوال حتى ولو كان على سبيل الإكراه لأن فيه إلحاق ضرر مماثل بالغير وعصمتهم سواء. ولذا قرر الفقهاء القاعدة الفقهية على أن (الضرر لا يزال بمثله).

أستاذ أصول الفقه المساعد جامعة الأميرة نورة بن عبد الرحمن



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد