Al Jazirah NewsPaper Monday  07/09/2009 G Issue 13493
الأثنين 17 رمضان 1430   العدد  13493
الحسبة.. ودورها في التنمية الاقتصادية
زينب عبدالله السعود

 

تمثل الحسبة من حيث هي (النهي عن المنكر إذا ظهر فعله، والأمر بالمعروف إذا تبين تركه) - كما عَرَّفها الماوردي في الأحكام السلطانية - مفهوماً شاملاً للإصلاح والتقويم لكل مجالات الحياة في المجتمع الإسلامي.

وحينما نتتبع أمر الحسبة تاريخياً.. نجده ينطلق من سنة نبوية؛ فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول المحتسبين، ولعل موقفه عليه الصلاة والسلام من أحد تجار المدينة يمثل دليلاً على أصل الحسبة من الناحية التجارية والاقتصادية تكاد تُجمِع عليه كل المصادر، وهو يعتبر المثل الذي يُعتد به في كل المظان التي تناولت الحسبة. فقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ فقال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: (أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني).

إن هذا الحديث يمثل النواة الأولى لنظام حماية المستهلك في المجتمع الإسلامي، ويرسم العلاقة السليمة التي يجب أن تسود بين البائع والمشتري، من حيث تبادل الثقة والصدق والأمانة والشفافية والوضوح.

ومن هذا المنطلق يمتاز المحتسب بدوره التربوي والتوجيهي، ويضطلع بمسؤوليات جسيمة في الجانب الاقتصادي والتجاري، ويمارس صلاحيات واسعة من شأنها تنظيم عمليات البيع والشراء، ومراقبة الأسواق، وحماية المشترين من غرر البائعين، وغشهم، وتحايلهم، وفي المقابل: حماية الباعة من مطل المشترين، وغبنهم، واعتدائهم.

وكل هذه المسؤوليات البالغة الأهمية للمحتسب لا نكاد نجد لها أثراً في هذه الأيام التي غاب فيها الدور التجاري والاقتصادي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي من المفترض أن ندعو إليه، في الوقت الذي يطالب فيه البعض بسحب الكثير من صلاحياتها فضلاً عن توسيعها وامتدادها، جاهلين أو متجاهلين الإنجازات الإيجابية لرجال الهيئة في المجتمع.

ولعله من المفيد ذكر بعض الآثار المهمة التي يتركها الاحتساب في التنمية الاقتصادية للدولة كما توصل إليها عدد من الباحثين، والتي يمكن لمسها فيما يأتي:

(1) إن نظام الحسبة هو نظام فاعل من الناحية التربوية والأخلاقية، فضلاً عن أثره العلمي، وفي هذا تكامل بين الجانبين المادي والروحي في التعامل الاقتصادي.

(2) يسهم نظام الحسبة في إعطاء أفراده شعوراً بالنفوذ الاجتماعي والمبادرة الفردية، وهي مسألة في غاية الأهمية بالنسبة للتنمية، وعلى الدولة الحديثة الانتباه إليها؛ لأن التنمية لا تتحقق بقرارات مركزية قيادية فقط وإنما بإسهام شعبي وجماهيري واسع.

(3) في نظام الحسبة وسائل مبتكرة حول الصلاحيات والمسؤوليات يمكن دراستها بالتفصيل، والتوصل إلى مقترحات تتم الاستفادة منها في الجوانب الاقتصادية والتنموية.

(4) فضلاً عما يتضمنه نظام الحسبة من نظام للردع في مجال التصدي للمخالفات فإنه يتضمن أيضاً وسائل للحفز، ومن هنا تبرز ميزات نظام الحسبة ومبادئه الرقابية المبدعة في تشجيع التبادل التجاري السليم، وبإمكان الدول الإسلامية أن تبحث في نظام الحسبة عن ضالتها في تعزيز الجوانب الأخلاقية في التعاملات الاقتصادية.

(5) من مميزات نظام الحسبة: السرعة في مكافحة المخالفات والممنوعات، واتخاذ الإجراءات اللازمة في وقتها؛ ما يعجل في عملية التنمية.

(6) يحقق نظام الحسبة الأمن والطمأنينة للأفراد في تعاملاتهم، ودون شك فإن أسواق الدول النامية لا تخلو من الغش، والتدليس، والخداع، والتلاعب بالأسعار، والمضاربة في الأعمال التجارية؛ ما يؤثر بالسلب على المتعامل والمستثمر، ويؤخر في عملية التنمية.

وختاماً.. لا بد من القول: إن ما ينجزه المحتسبون من حسم لمشكلات اقتصادية يمثل قائمة طويلة لا بد من الوقوف إزاءها موقف الدارس المستفيد؛ لتحقيق التقدم نحو تنمية شاملة ودائمة، وهذا ما يوجب علينا الدعوة إلى توسيع دائرة عمل المحتسبين وإعطائهم المزيد من الصلاحيات إذا ما أردنا تسريع عجلة التنمية لمجتمعاتنا.

- المدينة المنورة - جامعة طيبة


d.zeanab@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد