Al Jazirah NewsPaper Wednesday  09/09/2009 G Issue 13495
الاربعاء 19 رمضان 1430   العدد  13495
مركاز
قراءات - 3
حسين علي حسين

 

اسمي إبراهيما. أنا زنجي صغير. ليس لأنني أسود أو لأنني ولد صغير، لا! بل أنا زنجي صغير؛ لأنني أتكلم لغة فرنسية مكسرة. هكذا هي الحال حتى لو كان المرء كبيراً، بل مسناً، وحتى لو كان عربياً أو صينياً أو أبيض أو روسياً أو حتى أمريكياً، إذا تكلم لغة فرنسية مكسرة قيل إنه يتكلم كزنجي صغير، ومع ذلك فهو زنجي صغير. إن قانون اللغة الفرنسية المطبق كل يوم هو الذي يريد ذلك!

.. لا أمل لأي إنسان، حتى لو كان يحمل إجازة جامعية، في أن يكون ممرضاً أو معلماً في مدرسة ابتدائية في إحدى جمهوريات الموز الفاسدة في إفريقيا الناطقة باللغة الفرنسية، ولكن المواظبة حتى الصف الثاني الابتدائي ليست أمراً سيئاً بالضرورة، يعرف المرء أشياء قليلة ولكنها ليست كافية، إنه يشبه ما يسميه الزنوج السود الأفارقة الأصليون الفطيرة المقمرة على الوجهين، لا يعود المرء قروياً ومتوحشاً كبقية السود الأفارقة الأصليين..). (الله يفعل ما يشاء، ص 7، 8).

بهذه اللغة الشفافة التي تقترب من الأسى المبثوث في صفحات الرواية بما يشبه الكوميديا السوداء.. يعالج الروائي الإفريقي المولود في ساحل العاج (أحمدو كوروما) أحداث راويته (الله يفعل ما يشاء) منطلقاً من أن الله - سبحانه وتعالى - (ليس مرغماً على إقامة العدل في كافة أفعاله على هذه الأرض).

وهو هنا يعطي صورة عن مأساة العديد من الدول الإفريقية التي عاشت ولا تزال في حروب قريبة من حروب العصابات، وهي حروب تنطلق لأسباب عرقية وعقائدية يقودها مغامرون أفاقون، لا يتورعون عن استخدام الأطفال وقوداً سهلاً لتحقيق أطماعهم، ولا يتورعون كذلك عن الارتكاز على ما يعرف بالرجل التميمي (صانع التمائم)؛ فهؤلاء المشعوذون يأخذون أحياناً دور الموجهين وواضعي الخطط، فهناك تمائم لكسب المعارك وأخرى لجمع المال وتوفير الحظ.

وتدور بعض أحداث هذه الرواية إبان حكم الطاغية (صموئيل دو) الذي قاد انقلاباً على حكام ليبيريا من جماعة من الزنوج غير الأصليين (الأفريكان)، وقد بدأ حكمه بإخراج الوجهاء وأعضاء مجلس الشيوخ الأفرو - أمريكيين جميعاً من أَسِرَّتهم، أخذوهم إلى الشاطئ، وهناك عرُّوهم إلا من ملابسهم الداخلية حيث رُبطوا إلى أعمدة، وأُعدموا أمام مراسلي الصحافة العالمية، ثم عادوا إلى وسط المدينة وأعدموا نساء وأطفال الذين أعدموهم، وبعد ذلك أقاموا احتفالاً كبيراً بهذه المناسبة.

وحالما استتبت الأمور ل(صموئيل دو) ورفيقه، تأهب للمشاركة في قمة رؤساء مجموعة دول غرب إفريقيا.. (قفز صموئيل دو (الجندي الذي منح نفسه لقب جنرال ولقب الرئيس) قفز ومسدسه على وسطه، إلى إحدى الطائرات بوصفه رئيساً للدولة؛ ليحضر قمة رؤساء دول مجموعة غرب إفريقيا التي انعقدت في لومي. في لومي ساءت الأمور؛ فعندما وصل إلى القمة مدججاً بالسلاح أصاب الهلع رؤساء الدول وعدوه مجنوناً ولم يقبلوه في القمة، بل سجنوه في أحد الفنادق طوال فترة انعقاد القمة، وحرموه حرماناً تاماً من الخروج خارج الفندق، ومن شرب الكحول. وبعد القمة استبعدوه في طائرته إلى عاصمته منروفيا، طردوه كما يطرد الصعلوك المتشرد!).

والرواية حافلة بعينة (صموئيل دو) من الجنود وقطاع الطرق والصيادين وصانعي التمائم والتعاويذ الذين قفزوا في لحظة واحدة ليكونوا حكاماً، حكاماً في أيديهم سيوف، يشرعون في استخدامها حالما يتم لهم الأمر.. وهم عينات تثير الفزع، ليس في الذين يحكمونهم، ولكن حتى في نفوس رؤساء الدول، الذين تعاملوا مع (صموئيل دو) كما يتعامل العقلاء مع متشرد يرتدي زياً ليس زيه ويجلس على كرسي ليس كرسيه!

رواية حافلة بالتضمينات والسخرية، خصوصاً من الاستعمار ورجاله، الذين تقاطروا على ليبيريا وسيراليون ونيجيريا وغيرها من الدول؛ بحثاً عن كنوزها، لكنهم قبل أن يشرعوا في البحث عن هذه الكنوز شرعوا في إذكاء الروح العنصرية: القبلية والعقائدية والاثنية؛ فكان لهم ما أرادوا.. وما زالت العديد من الدول الإفريقية مثل البركان الهادئ.. لا تدري متى يتحرك!!

فاكس 012054137



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد