Al Jazirah NewsPaper Wednesday  16/09/2009 G Issue 13502
الاربعاء 26 رمضان 1430   العدد  13502
ضعف الحياء والممارسات غير المسؤولة 1-2
اللواء ركن (م) سلامة بن هذال بن سعيدان

 

عندما يتراجع الدين في النفوس، فإن الحياء هو الذي يحجر الإنسان عن فعل كلما يستقبح، ويحول بينه وبين مواطن الشبهات وارتكاب السيئات، حيث إن الإنسان إذا ما فقد الحياء تقلب في الأمور كيفما شاء، محاولاً تحقيق رغباته كيفما اتفق في مجتمع.....

.....تتصارع فيه الرغبات والمثل العليا، وما يترتب على هذا الصراع من تعارض المصالح وتصادمها مع القيم واعتبار وجود الحياء يمثل دعوة إلى الثانية وغيابه يخدم الأولى.

والحياء الذي هو حليف الدين، وقرين الأمانة، وأخو العفاف، يتمحور حوله الكثير من القيم والفضائل التي يؤثر فيها وتؤثر فيه، والإنسان بمجرد أن يتخلى عن سمة الحياء ويخرج عن وقاره، فإنه عادة ما يتجنى على المروءة، وينال من العفاف، ويتنكر للواجب، كما ينقاد للهوى، ويبتعد عن الهدى، ويتلاشى انضباطه الداخلي والتزامه الذاتي، وبالتالي يضعف إحساسه بالمسؤولية على النحو الذي يجعله يقاوم تأنيب الضمير، ويتمرد على المبادئ مغلباً رغباته ومطالبه على ما عداها.

والممارسات غير المسؤولة بسبب ضعف الوازع الديني ونقص الحياء أكثر من أن تحصى، ولكن في هذه المقالة سوف أتطرق إلى بعض أولئك الذين لا تقتصر آثار ممارساتهم السلبية عليهم، بل تمتد إلى غيرهم، وعلى الرغم من أنهم كثر، إلا أن أهل الخير أكثر والغلبة للحق وأهله، والأخذ بالأحوط والتحسب لما هو أسوأ لا تجلد من خلاله الذات ولا يلغي الآمال المسببة والأمنيات، طالما تتم مناقشة ذلك من وجهة نظر الضوابط الحاكمة للسلوكيات والممارسات.

وإذا كان من أخلاقيات الحياء انقباض النفس عن أشياء معينة، وتجنب مواضع التهمة وسوء الظن، والعزوف عن هذه الأمور وتركها، استجابة لما يدعوا إليه الدين والحياء، وخوفاً من اللوم، فأين الحياء بالنسبة للمواطن الذي دأب على الانتقال من ممارسة غير مسؤولة إلى أخرى على حساب مصلحة الوطن، حتى أنه لم يعد يربطه بوطنه إلا هويته الشخصية ومصالحه الذاتية، فلا يهتم بحقوق الوطن، ولا يدرك مسؤوليته تجاهه، ما تفرضه عليه المواطنة الحقة من واجبات، وما يترتب عليها من تضحيات، بل ينحصر شغله الشاغل في كيف يستفيد من هذا الوطن؟ دون أن يسأل نفسه ماذا قدم هو للوطن؟ وسبب ذلك يرجع إلى أن ضعف الإيمان في النفوس أدى إلى غياب الحياء وغياب حب الوطن، وغاب بغيابهما عن ذهن هذا المواطن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (الحياء شعبة من الإيمان)، وقوله: (حب الوطن من الإيمان).

والتنكر للوطن والإمعان في ظلمه دفع بالتكفيري المجرم الذي نذر نفسه للشيطان، وغرر به دعاة الفتنة والضلال وأغواه أصحاب الفكر المنحرف والدخيل إلى التنصل من دينه والخروج عن طاعة ولي أمره، بحيث لم يبق على شيء يشفع له، بل اقترف جميع الشرور وحكم على نفسه بالويل والثبور، وعلى ضوء اقترافاته وسوء ممارساته أصبح عضوا فاسداً لا مندوحة من بتره وتخليص المجتمع منه، وعلاج أعراض المرض عادة ما يستدعي استئصال أسبابه واقتلاعه من جذوره، وصدق الحق تبارك وتعالى: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} (46) سورة هود.

والنجاح الذي تحقق في دحر الإرهاب ومكافحته في الداخل وامتلاك الأجهزة الأمنية لناصية المبادرة نحو القضاء عليه، يجب عدم الاكتفاء به والتوقف عنده مع تجاهل المبدأ الهجومي الذي يتطلب التصدي للدول ذات الأطماع الإقليمية التي تغذي الإرهاب وتدعمه مادياً ومعنوياً مع تصديره إلى الآخرين، وهذه الجزئية خارج نطاق الموضوع ولكن سياق الطرح فرض الإشارة إليها.

ومن جانب آخر فإن الأطياف الفكرية والوحدات الانتمائية الموجودة في داخل المجتمع وخضوعها للمناقشات والمطارحات ليس في ذلك ما يسمح لأحد بأن ينصب نفسه للتعصب لهذا الطرف أو ذاك على حساب وحدة الوطن والانتماء العام، والطرح المتزن والنقاشات الواقعية فيها ما يغني عن المراء والتلاحي وتبادل الاتهامات, والمغالاة في هذا الجانب تفسد مفعول الكلمة، ويتحول معها النقاش البناء إلى جدال عقيم، وإذا كان من أكثر من شيء عرف به، فإن استمراء أسلوب المنازعة والمشاغبة على صفحات الجرائد ينال من مصداقية الكاتب ويحط من كياسته، والنيل من المصداقية والحط من الكياسة يجعلان حبر القلم يتساوى مع ماء الوجه، وشتان بين هذا وبين ما قاله مصعب بن الزبير: إن الناس يتحدثون بأحسن ما يحفظون ويحفظون أحسن ما يكتبون ويكتبون أحسن ما يسمعون، فإذا أخذت الأدب فخذه من أفواه الرجال فإنك لا ترى ولا تسمع إلا لوناً مختاراً ولؤلؤاً منظوماً.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن الانتماءات الجزئية، يتعين أن تخدم الانتماء الكلي، وأن يتدفق تيارها من الأدنى إلى الأعلى بحيث تنضوي وحدات الانتماء الخاصة تحت لواء الانتماء العام، وهذا الانتماء العام هو الانتماء الوطني الذي تنتهي إليه جميع الانتماءات المناطقية والقبلية والعائلية والمهنية وغيرها، وثمة أصوات شاذة يتجاهل أصحابها طبيعة الانتماء الوطني والدوائر التي يتكون منها، وما هو الانتماء الخاص والانتماء العام، والانتماء الجامع والانتماء المانع، فمنهم من يتعصب للانتماء الأدنى على حساب الانتماء الأعلى، ومنهم من يحاول مصادرة الانتماء الفرعي لحاجة في نفسه، وكلا الفريقين تكشف ممارساتهما غير المسؤولة والوسائل التي يستخدمانها عما يعانيانه ويتطلعان إليه من أهداف دونية.

والانتماء الوطني انتماء جامع، يسمح للمنتمي إلى الوطن أن ينتمي إلى وحدات انتماء فرعية داخل هذا الانتماء أو حتى خارجه، كما في حالة الأسرة والعائلة والقبيلة والمنطقة والشعب والمهنة والمؤسسة... الخ، وتتنوع دوافع الانتماء إلى الوحدات الاجتماعية تبعاً لتعددها وتنوع المقاييس الكيفية والمعايير التصنيفية لها، أما الانتماء الديني فهو انتماء مانع يمنع المنتمي إليه أن ينتمي إلى دين آخر، وهناك من أبناء الدين الإسلامي من ذهب بعيداً في تقليد الأجنبي حتى ضعف حسه الديني واصبح لا دينياً، أو بلغ به الخوف من أن يوصف بالتشدد إلى الدرجة التي وصل به الأمر معها إلى أن يخجل من دينه، ويتحاشى أن تطلق عليه بعض النعوت الدينية مثل السلفي والسني، وهذا الخجل أخطر الآفات وأشد الفتن بالنسبة للمسلم ذي المعتقد الصحيح لما يفضي إليه ذلك من شبهات وانحرافات ذات عواقب وخيمة على الأمة.

والأقلية التي تعتنق ملة أو مذهباً دينياً داخل إطار الدين أو تلك التي تستورد مذهباً دنيوياً من الخارج، قمين بهذه الأقلية التعايش مع المجتمع وإدراك قيمة الوطنية ومطالبة المواطنة، وكذلك احترام حقوق الأكثرية بدلاً من منازعتها والتجني عليها ومحاولة مصادرة حقوقها، وإحلال ما يدعون من حقوق مزعومة محل حقوق الأكثرية المعلومة وعلى حسابها، خاصة أن المجتمع مجتمع واحد تتساوى فيه الحقوق والواجبات، ولا فوارق بين وحدته الانتمائية التي تلتقي مع بعضها في شعب واحد ودولة واحدة تحت مظلة الدين والوطن، كما تنسجم مشاعر الجميع وقناعاتهم، وتتشابك مصالحهم وآمالهم داخل هذين الانتماءين الأكثر استحقاقاً والأوسع نطاقاً.

وولي أمر الأمة لم يترك حجة لأحد حيث نادى بالحوار وفتح باب ذلك للجميع، طالباً منهم، وحاثاً إياهم على الانفتاح نحو بعضهم البعض والانصهار في وعاء الدولة، وفي الوقت نفسه استثمار ما يدور من حراك ويجري من حوار لاختراع المستقبل على ضوء الاستفادة من الحاضر، والحوار البناء يمهد لحل المشكلات ويذلل الصعوبات في سبيل حلها، والصبر والوقت كفيلان بحل ما استعصى منها، وأي أساليب غير حوارية ينبغي أن تكون مرفوضة لما تقود إليه من أمور لا تحمد عقباها.

وفضيلة الحياء من الفضائل التي لا يستغني عنها أحد، فما بالك بشاغل المنصب، لأنه عادة ما يكون قبلة لأنظار الآخرين الذين يبحثون في صفاته وتصرفاته عن مثل عليا تدفع إلى تقليده والتمثل به، وتزداد حساسية المراقبة المسلطة على ممثل السلطة كلما علت مرتبته أو رتبته أو كان صاحب حظوة عند ولي الأمر، وهذه الحساسية يترتب عليها أن الانطباع المأخوذ عنه إذا كان سيئاً فإن قوة سقوطه إلى أسفل تزداد قوتها تبعاً لعلو منصبه أو كبر حظوته، كما يزداد اختراق السهم وجذب الأرض اليه، كلما زاد ارتفاعه، وهذا النوع من الناس في الغالب يأخذ أكثر مما يعطي بحيث يستغل كل شيء لصالحه ويستفيد ممن حوله، محتكراً الضوء النازل عليه من السلطة الأعلى بالشكل الذي يمكنه من امتطاء السلطة والتحلل من المسؤولية، ناسباً النجاح إلى نفسه والإخفاق يعزوه إلى غيره.

وينطبق هذا الوصف أشد الانطباق على ممثل السلطة الذي يستخدم منصبه لخدمة مصالحه الشخصية مستغلاً السلطة التي تعلوه والصلاحيات الممنوحة له في سبيل إشباع رغباته وإرضاء تطلعاته دون أن يأبه بأحد أو يكترث بما يقال فيه، واستغلال المنصب هو المدخل لتجاهل شرف الوظيفة وما ينطوي عليه هذا التجاهل من الإضرار بالمصلحة العامة نتيجة لكثرة التجاوزات والوقوع في المحظورات.

وما بين الإفراط والتفريط فإن شاغل المنصب مثلما يعتبر تجاوزه للخطوط الحمراء ومكابرته على تكرار الأخطاء خروجاً على الحياء واتباعاً للهوى فإن خجله من تمثيل سلطته وتحمل مسؤوليته يعد تنازلاً عما لا ينبغي التنازل عنه، إذ إن شاغل المنصب هو رمز المؤسسة التي يمثل سلطتها، وقيمته تنبع من قيمتها، وتنعكس عليها، وأسوأ آفة يصاب بها هي الخوف من التحدث أو التصرف باسم السلطة التي بوأته منصبه وهيأت له وظيفته، ومن تجاهل مركزه تجاهله من دونه، والمسؤول الذي يخجل من مثله العليا لا يمكن أن يكون مربياً صالحاً وقائداً ناجحاً.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد