ثم كانت الزيارة الثالثة للزملاء مديري المعاهد الصناعية إلى محافظة الرس بلد البطولة والشجاعة حيث تصدى أهلها للمحارب إبراهيم باشا عام 1232هـ بعدما حاصرها ومنعوه من دخول بلدتهم بإيمانهم وشجاعتهم، وعندما عجز عنها عقد معهم الصلح المشهور باسم (صلح الرس) وقد تشرفنا بزيارة خمسة معالم فيها تراثية وحضارية وكان كاتب تلك السطور هو المرشد عن المعالم التي تخص النواحي العسكرية.
|
وأول تلك المعالم (نفق إبراهيم باشا) الذي يقع في الجهة الجنوبية من البلدة القديمة بين بيوت الطين وحالياً في الجهة الجنوبية من شارع الملك فيصل بالرس خلف المدرسة الثانوية للبنات وهو الذي يحكي قصة البطولة التي أبداها أهل الرس عند حصار إبراهيم باشا لبلدتهم حيث أبدوا شجاعة وبسالة أعجزت القائد التركي عن احتلال الرس واضطر لعقد الصلح مع أهلها.
|
أما قصة حفر النفق فعندما وصل القائد التركي إبراهيم باشا مع جنوده وسلاحه إلى الرس في 25 - 8 - 1232هـ وحاصرها حتى يوم 12 - 12 - 1232هـ (ثلاثة شهور وسبعة عشر يوماً) وضيق عليهم الخناق فثبتوا وتصدوا له بقيادة الشيخ الفارس البطل قرناس بن عبدالرحمن. ثم أرسل إليهم الإمام عبدالله بن سعود من عنيزة مرابطة (دعم) فحاصرهم الترك أشد الحصار وتابعوا الحرب عليهم في الليل والنهار ثم حفروا تحت الأرض خندقاً من الجهة الجنوبية الشرقية من البلدة القديمة على بعد (600) متر بدأوه من جوار (حصاة بعيران) وعندما وصل الحفر إلى شعيب الحرمل أخذ التراب ينهلّ عليهم وعجزوا عن الاستمرار بالحفر ثم انتقلوا إلى الجهة الغربية من البلدة من مكان يسمى (الحنبوصي) بجوار بيت مبارك الطياح حالياً وكانوا يحفرون النفق ويحشونه بالبارود، وفي إحدى الليالي - وكما يروى - سمعت امرأة تسكن في بيت الضلعان وكانت تخيط أو تطحن صوت الجنود وهم يحفرون أسفل المنزل فبلغت الشيخ قرناس بذلك فقام بفتح فتحة صغيرة على النفق وأحضر قطا وربط في ذيله قبسا من النار وأطلقه في الفتحة إلى داخل النفق فثار البارود فيمن داخل النفق وقتل مجموعة كبيرة من الجنود وأكل ما بداخله ويروى بأن عدد القتلى من الأتراك في النفق (500) فرد. فطار غضب الباشا من هذا الفعل، ويروى بأنه حفر حفرة بجوار مكان الحصار ودفن فيها من مات في النفق.
|
أما المعلم الثاني فهو (الجريف) ويقع في الجهة الجنوبية الغربية من الرس على شارع يسمى باسمه وهو تصغير (جُرْف) وهو ربوة مرتفعة من الأرض تقع على إحداثية (836 51 25) (849 30 043) كان أهل الرس يستخرجون منه ملح البارود أثناء حروبهم مع من حولهم. وطريقة أهل الرس في استخلاص الملح من الجريف: أنهم يحفرون حفرة بعمق متر تقريباً ويسقونها بالماء لعدة أيام حتى يرى ملح البارود مرتفعاً فوق الطين لأنه خفيف الوزن ثم يأخذونه ويوضع في أوعية كبيرة ويضاف له الفحم وقد يضاف له بعض المواد الأخرى فيقال له (مْحَيّل) حتى يتحول لونه إلى السواد ويقوى، ثم يضعونه في البنادق للرمي.
|
ذكر شعراء الرس وغيرهم الجريف في الأشعار الحماسية للحرب، يقول إبراهيم بن دخيل الخربوش شاعر الحرب بالرس مفتخراً بشجاعة قومه وذاكراً الجريف:
|
والله ما جينا من الرس عانينا |
إلا ندور الحرب ياللي تدورونه |
من يوم سرنا والمنايا تبارينا |
واللي ورد حوض المنايا تعرفونه |
معنا سلاح ننقله في يمانينا |
ملح الجريف محيّل له يزلونه |
كما قال الشاعر الخربوش أيضا يصف قصره في الرس:
|
بنيت لي قصر حصين معتلي |
به كل ما يذكر وحيش ينزلي |
|
الأنس حامينه عنهم لا يجونه |
والذيب دون الجن ببابه يهذلي |
حطيت به ملح الجريف ولا بتي |
حماقة إلى جاء الملاقا تجهلي |
وقال الشاعر سليمان الفتال:
|
من زبنّا رقى روس الرجوم |
ما تجيه البيارق والخيام |
نجني الملح من روس الحزوم |
معتبينه لحزّات الزحام |
وقالت الشاعرة رقية الصالحي من الرس:
|
جاء مهنا يقود الحرب بخزامه |
باغي الرس والفزعات يتلونه |
يوم ثار الدخن والموت بسهامه |
ثار ملح الجريف وشاف بعيونه |
ويبدو بأن كل أهل القصيم - وقد يكون غيرهم - يستفيدون من ملح الجريف ويستخدمونه في حروبهم. يقول الشاعر علي الخياط من عنيزة:
|
لي بندق ترمي اللحم لو هو بعيد |
ما وقّفت بالسوق مع دلالها |
خمس رصاصه ستة أشبار تزيد |
ملح الجريف محيّل يعبا لها |
والمعلم الثالث في الرس (برج الشنانة) وهو الصرح الأثري الذي يقع على إحداثية (032 50 25) (396 26 043) والذي بقي شامخاً بكل عزة وأنفة رغم تعاقب السنون عليه ورغم ما يلقاه من أيدي العابثين، فقد بقي رمزا من رموز البطولة والفداء يحكي قصة البطولة التي أبداها أهل الرس وقوة بأسهم في التصدي للعدوان، وكان شاهداً على شجاعتهم وتضحيتهم بنفوسهم الغالية في الدفاع عن بلدتهم يحدوهم الأمل في العيش الرغيد والحياة الهانئة، فناصروا صقر الجزيرة الملك عبدالعزيز رحمه الله في (معركة الشنانة) وانتصروا لدينهم وهزموا المعتدي عبدالعزيز بن رشيد الذي حارب قيام دولة الحق والإيمان والعدل.
|
هذا البرج الشاهق الذي بناه رجل من البكيرية يدعى (فريح التميمي) في حدود عام 1211هـ بمساعدة رجال من أسرة الخليفة التي تسكن بلدة الشنانة ليكون متراساً لهم وقت الحرب، وفي البرج سلالم توصل إلى أعلاه، وقد تعرض البرج لقصف مدفعي أثناء الحرب التي وقعت حوله، كما أن عوامل التعرية وبعض الأيدي الطائشة لها دور ثان في تخريبه فتهدم أكثره وبقي منه الآن حوالي (20) متراً، وقد قامت إدارة الآثار بوزارة المعارف عام 1399هـ بترميم البرج، ثم قاموا بترميمه مرة أخرى في الأعوام الأخيرة، وحالياً تقوم هيئة السياحة والآثار ببناء مبنى واسع بجوار البرج من الجهة الشمالية ليكون ضيافة لمن يزور البرج.
|
والمعلم الرابع في الرس هو (مسجد الخليفة) ويقع في المنطقة الصناعية على احداثية (343 50 25) (852 27 43) أنشأه صاحبه المواطن المبدع محمد بن عبدالله الخليفة الذي تخرج من مركز التدريب المهني في محافظة الرس - قسم السيارات وكان لديه أفكار تدل على الإبداع والابتكار وعمل في الأمن العام، وبعد فترة من عمله ظهرت لديه بعض الأفكار الإبداعية فترك العمل ليتفرغ لورشة السيارات الخاصة به.
|
قام المذكور ببناء المسجد بما لديه من أفكار إبداعية بدون أعمدة ولا جدران ولا سقف بل جعله على شكل نصف دائرة بشكل بديع ومظهر حضاري جميل وليكون قطعة واحدة متصلة ببعضها، وله منارة من حديد مخروطية الشكل صبغت باللون الأسود. حيث بدأ المبتكر بناء المسجد بوضع كومة من الرمل على مساحة (15?8 أمتار) وأقصى ارتفاع لها في الوسط (2.50 متر) ثم قام برش الرمل بالماء من أجل أن يتماسك ويقوى، بعد ذلك أخذ يصف الحجارة السوداء القوية فوق الرمل بشكل مرتب ومحكم ابتداء من الأرض من كل الجوانب حتى أعلى الرمل مع أخذ الاعتبار للمحراب والنوافذ والباب وقام بوضع أسلاك الحديد على الحجارة المصفوفة حسب الطريقة الهندسية المعروفة ثم صبّ الخرسانة الجاهزة على المبنى بحيث يجعل الحجارة تتماسك بقوة بفعل الخرسانة ثم أخذ يرويها بالماء وبعد عدة أيام حسب النظام المعماري قام بسحب الرمل من داخل المبنى ثم أخذ يعمل التحسينات اللازمة للمبنى وعمل الباب والمحراب، كذلك قام بعمل نوافذ في سقف المبنى مغطاة بالزجاج تسمح بالإضاءة التامة نهاراً للمسجد وهي تتبع الشمس في الشروق والغروب وتمنع دخول الهواء الملوث.
|
وحتى يكتمل الإبداع في العمل قام بصنع منارة من الحديد بشكل مخروطي إلى أعلى وعمل لها طلاء باللون الأسود العاكس للشمس ويتم بواسطتها بطريقة فنية وإبداعية سحب الهواء من داخل المسجد عبر قنوات داخل الخرسانة المسلحة وتبخيره بفعل الحرارة التي في داخل المنارة وبالمقابل يتم دخول الهواء النقي إلى المسجد حتى تبقى درجة الحرارة داخل المسجد (32) درجة مئوية في الشتاء والصيف على حد سواء. ويعمل صاحب المسجد حالياً على استمرار التحسين والبحث عن وسائل إبداعية جديدة لذلك. كما يفكر حالياً بزراعة محيط المسجد من الخارج من أسفل وأعلى بالثيل الأخضر حتى يكتسب المسجد البرودة التي يحتاجها المصلون بفعل الزراعة والماء.
|
بقي أن نعرفكم أن المبدع محمد بن عبدالله الخليفة بدأ العمل بالمشروع في بداية عام 1426هـ وتمت الصلاة فيه في بداية شهر رمضان المبارك 1426هـ أما محيط المسجد حالياً من الداخل فيبلغ حوالي (96) متراً مربعاً ويتسع لحوالي (100) مصلٍ.
|
ولم يكتف المبدع إلى هذا الحد بل عمل بجوار المسجد غرفة للتدفئة بالشتاء على نفس الشكل وقام بعمل طريقة يتم فيها توزيع حرارة التدفئة على الجالسين بشكل دائري حول مكان النار الذي يقع وسط الغرفة وبواسطة قنوات ممدودة داخل أرض الغرفة. أما الدخان الخانق فيتم إخراجه بطريقة علمية إلى خارج الغرفة من أجل المحافظة على جو الغرفة من التلوث وعلى الجالسين من الاختناق. وخلاف ذلك لا أنس مجموعة الابتكارات الكثيرة التي توصل إليها المذكور في ورشة السيارات الموجودة في الموقع في مجال الصيانة وإصلاح الأعطال.
|
وأخيراً أدعوك أخي لزيارة المسجد والغرفة والورشة التي تتوفر فيها مجموعة من الابتكارات الفنية في مجال صيانة السيارات مع دعواتي بالتوفيق.
|
أما الزيارة الخامسة في محافظة الرس فكانت إلى (قلعة جدعية) كما يحلو لصاحبها الأستاذ خالد بن محمد الجدعي الذي يعمل معلماً في إدارة التربية والتعليم في الرس وهو مدرب معتمد لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني أن يسميها بذلك وهو الاسم المعروف لعمته الشاعرة المشهورة باسم (جدعية) تخليداً لذكرها ومكانتها، وقد عملها على شكل قلعة مرتفعة. وهي عبارة عن استراحة خاصة تحتوي على مجموعة من الغرف وسماها بالأسماء القديمة عند الأجداد مثل (القهوة، المقلط، الموقد، السرحة، الحوش، الصفة... إلخ).
|
بدأ العمل بإنشاء القلعة في بداية عام 1427هـ وهو يعتبر المرحلة الأولى منها والعمل حالياً مستمر بها في المرحلة الثانية التي ينتهي العمل منها في منتصف هذا العام بإذن الله. أما الهدف من إنشاء القلعة كما يروي صاحبها.. فهو عندما لاحظ كثرة الزوار لمحافظة الرس وعدم توفر أماكن متميزة فيها يقوم الزوار بزيارتها والاستراحة بها والتمتع بمشاهدة حياة آبائنا وأجدادنا وما كانوا عليه من البساطة والحياة الرغيدة قام بإنشاء تلك القلعة لتكون استراحة ومزاراً لمن يفد إلى المحافظ لمن يبحث عن المتعة والفائدة والعبرة. وصاحب القلعة يكرر في كل مناسبة الترحيب بالضيوف والذين يرغبون زيارة القلعة من مواطنين ووافدين وطلاب وغيرهم.
|
أما محتويات القلعة: فإنها تضم مجالس متعددة مبنية من الطين أشهرها (قهوة الرجال) التي يرتفع سقفها تسعة أمتار إلى الأعلى وهي مبنية من الطين وسقفها من خشب الأثل وعسبان النخل والسعف وتم فرشها بالسجاد القديم الأصلي وزينت جدرانها ببعض القطع الأثرية النادرة مع وجود النوافذ القديمة وأحيطت جدرانها أيضا بالمصابيح التي تسمى (السرج) وهي آلة الإضاءة قديماً موزعة بشكل متناسق. كما تضم القلعة متحفاً من أكبر المتاحف الخاصة في منطقة القصيم يحوي أكثر من ثلاثة آلاف قطعة أثرية قديمة ونادرة.
|
وقريباً سوف يتم افتتاح المرحلة الثانية من القلعة ويحتوي على أشياء جديدة وبارعة. والقلعة تعتبر حالياً مقصد الزائرين لمحافظة الرس من المسؤولين والباحثين وكبار الأعيان لما فيها من موروث قديم وتراث نادر، كذلك ما تحتويه من إبداع وبراعة معمارية أنتجتها أفكار صاحبها. ولعله يتم قريباً افتتاحها على شرف صاحب السمو الملكي أمير منطقة القصيم إن شاء الله.
|
- الرس |
|