Al Jazirah NewsPaper Saturday  19/09/2009 G Issue 13505
السبت 29 رمضان 1430   العدد  13505
النجاح في أفغانستان يحتاج إلى الصين وروسيا
ريتشارد فايتز

 

إن الانشغال بالانتخابات الرئاسية الأفغانية المتنازع عليها أمر مفهوم. وإنهاء العنف في البلاد سوف يتطلب وجود حكومة تتمتع بالشرعية والقدرة على التعامل مع المصادر التي أفرزت تمرد حركة طالبان.

ولكن تحقيق النجاح في أفغانستان - إيجاد نظام ديمقراطي قادر على البقاء واحتواء العنف السياسي، ومنع إعادة بناء قاعدة إرهابية ذات سطوة عالمية، وتثبيط التمرد الذي تموله المخدرات والذي يهدد البلدان المجاورة - يتطلب قدراً أعظم من التناغم السياسي بين القوى العالمية ذات المصلحة في تحقيق نتائج إيجابية.

في الآونة الأخيرة كان التركيز على الكيفية التي سوف تتعاون بها قوات حلف شمال الأطلنطي، والقوات الأفغانية، وقوات الأمن الباكستانية، لإلحاق الهزيمة بالتمرد ومنع البلاد من التحول إلى ملاذ آمن للإرهابيين مرة أخرى. ولكن الأعوام القليلة الماضية سلطت الضوء على عجز حلف شمال الأطلنطي عن إنجاز تحسينات سياسية واقتصادية وأمنية مستدامة في أفغانستان من دون المزيد من التعاون الدولي الفعّال، وخاصة مع الصين وروسيا.

لأعوام عديدة، ظل ممثلو منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تهيمن عليها الصين وروسيا، يؤكدون على خطورة المخدرات القادمة من أفغانستان باعتبارها تهديداً أمنياً إقليمياً رئيسياً. ويتعين على حلف شمال الأطلنطي أن يستغل هذه المخاوف لاستكشاف سبل التعاون الممكنة فيما يتصل بالقضايا الأمنية الأفغانية. إن تأمين المساعدات الإضافية من الصين وروسيا - لتكميل الدعم المقدم بالفعل من جانب بلدان آسيا الوسطى الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، فضلاً عن الهند وباكستان بصفتهما مراقبين في منظمة شنغهاي للتعاون - يشكل شرطاً أساسياً حتمياً.

إن أفغانستان تُعَد منطقة ذات أهمية حيوية بالنسبة لمنظمة شنغهاي للتعاون. والحقيقة أن أعضاء المنظمة يتطلعون إلى مساعدة الحكومة الأفغانية في التصدي لتجارة المخدرات الإقليمية والإرهاب. وكان الرئيس الأفغاني حامد كرزاي ضيفاً منتظماً على اجتماعات قمم منظمة شنغهاي للتعاون منذ عام 2004م، كما وجه الدعوة إلى منظمة شنغهاي للتعاون لوضع مكافحة تهريب وتجارة المخدرات على رأس أولوياتها. ولقد عمل الأعضاء على تأسيس مجموعة عمل مشتركة بين منظمة شنغهاي للتعاون وأفغانستان لتوفير آلية تنسيق للعدد الكبير من مبادرات منظمة شنغهاي للتعاون والتي تهم أفغانستان.

كان عقد مؤتمر خاص تحت رعاية منظمة شنغهاي للتعاون في مارس - آذار 2009م بمثابة تأكيد إضافي على الوضع الفريد الذي اكتسبته أفغانستان. ولقد تبنت منظمة شنغهاي للتعاون والحكومة الأفغانية بياناً مشتركاً للتعبير عن دعم الجهود التي تبذلها قوة المساعدة الأمنية الدولية تحت قيادة حلف شمال الأطلنطي (ايساف) لمكافحة تجارة المخدرات الإقليمية.

لم يبد أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون أي اهتمام بالمساهمة في القوات التي تتألف منها ايساف، ولكن الإعلان شجع دولاً أخرى... على المشاركة في الجهود الجماعية لمكافحة الإرهاب الإقليمي، والنظر في إمكانية الاشتراك في عمليات نقل الشحنات غير العسكرية التي تحتاج إليها قوة ايساف. والواقع أن العديد من بلدان منظمة شنغهاي للتعاون بدأت بالفعل في مساعدة بلدان حلف شمال الأطلنطي في تسليم الإمدادات إلى أفغانستان، في حين تسمح روسيا للولايات المتحدة بنقل معدات عسكرية عبر حدودها إلى آسيا الوسطى ومنها إلى أفغانستان.

ولابد من توسيع هذا التعاون، وذلك لأن الصين وروسيا، وربما أكثر من أي بلدان أخرى، تتقاسمان مصالح مشتركة مع الغرب في أفغانستان. إن أحد ممرات تهريب المخدرات الرئيسية يمر من أفغانستان عبر آسيا الوسطى ثم إلى روسيا وأوروبا. والواقع أن الأنظمة المتراخية المتساهلة على الحدود بين روسيا والجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى تعمل على تسهيل تهريب المخدرات وغيرها من البضائع المهربة. ولقد استغلت طالبان، وتنظيم القاعدة، وضعهما في أفغانستان لدعم حركات إرهابية أوروبية آسيوية الأخرى، وخاصة الحركة الإسلامية في أوزباكستان وفروعها المختلفة.

رغم أن الصين لا تقع على طول (الطريق الشمالي) والذي تدخل عبره المخدرات الأفغانية عادة إلى آسيا الوسطى وأوروبا، فقد نشأت شبكات تهريب جديدة منذ عام 2005م لنقل المخدرات غير القانونية من أفغانستان عبر باكستان وآسيا الوسطى إلى الصين. فضلاً عن ذلك فإن المسؤولين الصينيين منزعجون إزاء الارتباطات بين طالبان والجماعات المتطرفة الإسلامية التي تنادي باستقلال إقليم شينجيانج المضطرب في الصين.

وما دام أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون قد أعلنوا عن عدم استعدادهم للإسهام بقوات مقاتلة في قوة ايساف تحت قيادة حلف شمال الأطلنطي، فإن التعاون الأوثق لابد وأن يركز أولا على إعادة تنشيط الاقتصاد الأفغاني وتوفير مصادر الرزق البديلة لهؤلاء المتورطين في المخدرات. إن قدرة أفغانستان على البقاء في الأمد البعيد تعتمد على تطوير شبكات النقل والاتصال وغير ذلك من الشبكات على النحو الذي يسمح لها بدمج البلاد في الاقتصاد الإقليمي.

وبوسع الصين وروسيا أن تقدما المعونة الاقتصادية والاستثمار إلى أفغانستان، بهدف خلق المزيد من المشاريع القادرة على تزويد الشعب الأفغاني بفرص العمل والعائدات المطلوبة بشدة. وفي المقابل، تستطيع قوات حلف شمال الأطلنطي والقوات الأفغانية تخصيص جزء من القوات لحماية هذه المشاريع من المزيد من الهجمات، في ظل نوع ما من المساعدة المالية من قِبَل الصين وروسيا لإسكات الاعتراضات التي تتلخص في أن الجنود الغربيين يموتون لإثراء شركات أجنبية. والواقع أن الارتباطات القوية بين الصين وباكستان من الممكن أيضا أن تثبت نفعها في مساعدة الجهود الأوروبية والأميركية الرامية إلى إبقاء المؤسستين العسكرية والاستخباراتية الباكستانيتين على تحالفهما مع الغرب ضد طالبان.

وفي الوقت نفسه تستطيع كل الجهات الفاعلة الدولية هذه أن تساعد في تمويل وتدريب الجيش الأفغاني والشرطة الوطنية. وفي النهاية فإن الأفغان أنفسهم سوف يحتاجون إلى دعم التقدم الاقتصادي والأمني الذي لا يملك الحلفاء الغربيون إلا المساعدة في تزويده بالطاقة اللازمة للانطلاق.

نيويورك - خاص «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد