Al Jazirah NewsPaper Friday  25/09/2009 G Issue 13511
الجمعة 06 شوال 1430   العدد  13511
الملك عبدالعزيز شخصية سبقت الزمن
منيف خضير

 

من يتتبع سيرة الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - يدرك أنه أمام شخصية سابقة لزمانها، فعلاً كان هدفه تأسيس دولة حديثة وليس مجرد استرداد الحكم، كان يفكر بعقلية تتجاوز الأيديولوجيات المسيطرة على المشهد الثقافي في ذلك الوقت، لقد نجح في إدخال الراديو للبلاد، وأقنع الجميع بضرورة تعليم الفتاة ...

...في وقت كان مجرد التفكير في هذا الأمر يدخل في دائرة يصعب الخروج منها.

دعوني أسوق أمثلة أخرى نقولها للتاريخ، فخلال حصار جدة في عام 1344هـ حيث سقطت إحدى طائرات (الخصم) أثناء تحليقها في رحلة استطلاعية على جيش الملك عبد العزيز - يرحمه الله - وانفجرت الثانية في السماء نتيجة لخطأ في توصيل مشعل القنابل (الفيوز) التي كانت تحملها وغنمت قوات الملك عبد العزيز 8 طائرات منها 6 طائرات من طراز (DH - 9 5،) كانت تحتاج إلى جهد كبير في الإصلاح وواحدة قابلة للإصلاح والطيران لمسافات قصيرة، أما الباقي فلم ينظر في أمر إصلاحها نظرا للتكلفة المالية المترتبة على ذلك لذا أمر الملك عبد العزيز ببيعها جميعا وشراء طائرات جديدة خصص بعضها لتعليم الطيارين علوم الطيران، وكان جلالته يطالب دائماً بالتدريب والابتعاث، فها هو الشيخ عبدالله الطريقي (أول وزير بترول في المملكة) كان المؤسس قد هيأه بأن ابتعثه إلى مصر ثم إلى أمريكا قبل أن يصبح وزيراً، ولاحظوا التاريخ السابق جيداً 1344هـ، وتؤكد المصادر التاريخية أن الملك عبد العزيز - رحمه الله - لم يركب الطائرة إلا في عام 1346هـ في رحلة من عفيف إلى مطار الحوية بالطائف، أي بعد عامين كاملين بعد أن قدم حاجة الدولة على الحاجات الشخصية والتي يستأثر بها كثير من الناس في العادة.

ونظرة المؤسس البعيدة لا تحتاج إلى مزيد من الأدلة يكفي أن جلالته قد حول المملكة إلى دولة تحتضن الأشقاء العرب والسياسيين الذين وجدوا في المملكة دولة مثالية تقدم لهم مزيداً من الفرص لخدمة مجتمعاتهم النامية، وإذا استعرضنا هذه الأسماء وجدنا الكثير منهم قد تبوؤا مناصب قيادية في الدولة، وبعضهم أصبح من مستشاري المؤسس الخاصين، وكثير منهم فضل البقاء في كنف المملكة بعد أن وجدوا في الملك عبدالعزيز - رحمه الله - القائد الذي يركنون إليه، فهذا رشاد فرعون السوري طبيب الملك الخاص يصبح فيما بعد ثاني وزير للصحة في المملكة، وهذا العراقي رشيد الكيلاني، والليبي بشير السعداوي، والسياسي السوري والأديب المفوه يوسف ياسين الذي أصبح أول رئيس تحرير لصحيفة أم القرى، وهو من المستشارين المقربين للملك عبدالعزيز، والفلسطيني رشدي ملحس، والباحث اللبناني فؤاد حمزة، والطبيب العراقي عبدالله الدملوجي الذي أنشأ مديرية الخارجية لتكون نواة وزارة الخارجية، ولا ننسى بالطبع المصري حافظ وهبة الذي ساعد على تطوير نظام التعليم في المملكة، وكان له دور تاريخي في تأسيس علم المملكة العربية السعودية العلم الذي لا ينكس لوجود كلمة التوحيد عليه، كل هؤلاء وغيرهم الكثير قدم لهم المؤسس كل التسهيلات ليساهموا معه في بناء دولة حديثة في وقت كانت الكفاءات السعودية قليلة رغم وجود الأكفاء من أمثال الأمير عبدالله بن عبدالرحمن عالم آل سعود وأديبهم، والأمير أحمد بن ثنيان آل سعود، والوزير عبدالله السليمان (أول سعودي يحمل لقب وزير)، وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم.

ومن الفرائد في شخصية الملك عبدالعزيز أنه يأسر أصدقاءه ومحبيه، فكثير من الأشقاء العرب الذين قدموا في بدايات عهد التأسيس لم يغادروا، ويذكر غير واحد من المؤرخين أن بعضهم اعتنق الدين الإسلامي، وبعضهم صحح مذهبه كل ذلك تأثراً بابن سعود كما يحلو لهم مناداته يرحمه الله، فهذا هاري سانت فيلبي البريطاني الشهير (صاحب أول وكالة سيارات في المملكة) يعتنق الإسلام ويؤدي فريضة الحج ويتزوج بمسلمة من إيران، وهو شخصية مثيرة للجدل وكان لحزم الملك عبدالعزيز معه وشخصيته القوية دور في اعتناقه الإسلام.

ومن الأشياء الجميلة التي يجدها من يبحث في تاريخ المملكة العربية السعودية أن أبناء الملك عبدالعزيز آل سعود ملوك المملكة (سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله) ساروا على ذات النهج في التوحيد والبناء، وسأكتفي بمثل مشرف فخمسة قصور ملكية يأمر بها الملوك في فترات مختلفة بتحويلها إلى متاحف وهي قصر المربع وقصر المشرف وقصر المصمك وقصر شبرا وقصر خزام. أما القصور التي خصصت لتكون مقرات لمؤسسات حكومية أو شبه حكومية فهي: قصر الملك سعود، الذي تحول ليكون مقراً لجامعة أم القرى في مدينة الطائف، وقصر الأمير عبدالله (خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حالياً) الذي صار مقراً للمحكمة الكبرى في جدة، وقصر الزاهر الذي تحول إلى مبنى لجامعة أم القرى في مكة المكرمة للطالبات.

إنها قصة كفاح وبناء طويلة نتذكرها في يوم الوطن (اليوم الوطني)، فمزيد من الرخاء ودام عزك يا وطن.



Mk4004@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد