Al Jazirah NewsPaper Sunday  27/09/2009 G Issue 13513
الأحد 08 شوال 1430   العدد  13513
أوان مواجهة شافيز
جورج كاستانيدا

 

فاجأت أكبر شركات كولومبيا العالم حين أعلنت عن دعمها الكامل لرئيس البلاد ألفارو أوريبي، ووقوفها خلفه في صراعه المتصاعد ضد فنزويلا. ذلك أن خسارة هذه الشركات لسوق التصدير الضخمة في البلد المجاور سوف تشكل في الواقع نتيجة بالغة السوء.

هذه هي المرة الأولى التي يتبرع فيها المصدرون الكولومبيون لكل السلع التي تستوردها فنزويلا تقريباً، من المحارم الورقية إلى البنزين والفواكه والخضراوات والحليب واللحوم، بإعطاء رئيس البلاد الضوء الأخضر لمجابهة الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز، بدلاً من الاستمرار في (إدارة الخد الآخر)، وهو ما دأبت على الضغط عليه من أجل القيام به طيلة الأعوام الثمانية التي مرت منذ تولى أوريبي منصبه.

لقد تحولت فنزويلا إلى فرصة تجارية رائعة للمصدرين الكولومبيين. ذلك أنها لم تعد تنتج أي شيء تقريباً (باستثناء النفط)، كما أنها تتمتع بسعر صرف رسمي مدعوم إلى حد كبير، وتمتلك احتياطياً ضخماً من عائدات النفط الدولارية، وهو الاحتياطي الذي يمكنها من شراء أي شيء. ورغم أن السلطات الكولومبية كانت مرغمة على التعامل مع إهانات شافيز المتكررة، وتدخلاته في شؤون كولومبيا الداخلية، ومشترياته الهائلة من الأسلحة، ونوبات الغضب الدبلوماسية، فإن مجتمع التجارة والأعمال في كولومبيا كان مستفيداً وكان يمارس ضغوطه على الحكومة لتقديم التنازلات. وحتى الآن كان ذلك هو الخط الذي لم تَحِد الحكومة عنه.

إن تردد مجتمع التجارة والأعمال في كولومبيا في مواجهة شافيز ربما كان بمثابة العقبة الأخيرة أمام أوريبي والولايات المتحدة وبعض البلدان الديمقراطية في أميركا اللاتينية بين العقبات التي كانت تمنعهم من مواجهة شافيز. والواقع أن أوان هذه الخطوة كان قد حان بالفعل.

إن الرئيس الفنزويلي لم يتورع مراراً وتكراراً عن توفير الملاذ الآمن والسلاح والدعم الدبلوماسي والتمويل للقوات المسلحة الثورية الكولومبية التي تقاتل من أجل الإطاحة بالحكومة الكولومبية. كما انهمك في شراء كميات هائلة من الأسلحة من روسيا، وأوكرانيا، وبيلاروسيا، ولقد تضمنت مشترياته من الأسلحة مؤخراً الدبابات والطائرات المقاتلة والغواصات.

ومن خلال تقديم الدعم الشامل المنتظم لحلفائه في بلدان أخرى في أميركا اللاتينية، من بوليفيا والأرجنتين إلى هندوراس والسلفادور، ودعم المعارضة في بيرو ونيكاراجوا والإكوادور والمكسيك، نجح شافيز في استقطاب قارة أميركا اللاتينية بالكامل على نفس النحو الذي استقطب به المجتمع في بلاده. فضلاً عن ذلك فقد ورط فنزويلا في صراعات عالمية في النصف الثاني من الكرة الأرضية حين تحالف مع النظام الإيراني وأصبح يشكل واحداً من الحصون التي يحتمي بها ذلك النظام.

ورغم كل هذا لم يحاول أحد حتى الآن منع شافيز. والأكثر من هذا أن أوريبي ذاته يبدو وكأنه قد استسلم لإغراء مواصلة البحث عن التنازلات والحلول الوسط.

إن أغلب الكولومبيين يودون لو يظل أوريبي الذي يتمتع بشعبية هائلة في المنصب لأربعة أعوام أخرى. لكن العديد في الخارج لا يودون ذلك على الإطلاق، إما لأن إعادة انتخابه للمرة الثانية من شأنها أن تقوض الحجج ضد آخرين حريصين على التشبث بالسلطة أبد الدهر، أو لأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تعقيد علاقاتهم مع كولومبيا.

والواقع أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يجد نفسه الآن مندرجاً تحت هاتين الفئتين في نفس الوقت. فهو لا يستطيع أن ينتقد رئاسة شافيز الأبدية من دون أن يصيب أوريبي؛ وسوف يكون من المستحيل تقريباً أن يتمكن أوباما من الفوز بتجديد الكونجرس لخطة كولومبيا، وهو برنامج مكافحة المخدرات والتمرد الذي أطلقه بِل كلينتون في عام 1999، ناهيك عن التصديق على اتفاقية التجارة الحرة بين كولومبيا والولايات المتحدة، إذا ما نجح المنتقدون في أميركا في تصوير أوريبي كمنتهك دائم لحقوق الإنسان وعازم على البقاء في السلطة إلى الأبد.

لن يكون من السهل على أوريبي أن يقاوم نداءً مباشراً موجهاً إليه من أوباما يطالبه فيه بالتنحي بعد ولايتين رئاسيتين. ولهذا السبب فقد يكون هناك أساس للتوصل إلى اتفاق: حيث يعرض أوريبي عدم ترشيح نفسه لإعادة انتخابه إذا ما بدأ أوباما في مواجهة شافيز كما ينبغي على المستويات الدبلوماسية والسياسية والإيديولوجية، وفي محكمة الرأي العام العالمي والقانون الدولي. فبدون مساندة قوية من الولايات المتحدة لن تتمكن كولومبيا من تصعيد قضيتها إلى منظمة الدول الأمريكية (حيث ستكون الخسارة من نصيبها لا محالة في الوقت الحالي)، ومنظمة الأمم المتحدة (حيث قد يكون الفوز من نصيبها)، والأصدقاء والحلفاء في أوروبا وآسيا (حيث ستكون لها الغلبة بلا شك).

إن القضية ضد شافيز متينة إذا ما طُرِحَت بالشكل الصحيح في ظل سلسلة من الانتهاكات المتكررة للالتزامات والمعاهدات الدولية والإقليمية والمحلية التي صدقت عليها فنزويلا. وسواء كانت هذه الانتهاكات تشتمل على إغلاق المحطات التلفزيونية وسجن ونفي المعارضين وتسليح العصابات المتمردة في البلدان المجاورة والتحريض على سباق تسلح في المنطقة، أو مغازلة البرنامج الإيراني للتخصيب النووي، فإن كل هذا يشكل اتهامات يمكن إثباتها وإدانتها.

إذا نجحت كولومبيا وأوباما في المضي قدماً على هذا المسار فقد يتمكن الحلفاء المحتملون في بقية نصف الكرة الأرضية من التغلب على خوفهم من أن ينبذوا بالعراء. ذلك أن دولاً مثل المكسيك، وبيرو، وشيلي (بعد انتخابات ديسمبر - كانون الأول)، وكوستاريكا، وجمهورية الدومينيكان، تخشى جميعها إذا ما واجهت شافيز ألا تخسر إعاناته السخية فحسب، بل وأن تستفزه أيضا إلى التدخل في سياساتها الداخلية. ولكن إذا أثبت أوباما أنه يأخذ هذه المسألة على محمل الجد ويعتزم ملاحقة سياسة الاحتواء، فإن هذه الدول سوف تتجاوب معه على الأرجح.

إن ترك الأمور تنجرف نحو تصعيد المواجهة ليس بالسياسة الناجحة بالنسبة لكولومبيا، أو الولايات المتحدة، أو بقية بلدان أميركا اللاتينية. ذلك أن مثل هذا المسار من شأنه أن يسمح لفنزويلا باختيار الصراع المقبل، وتأجيل المواجهة إلى أن تؤدي الظروف المتدهورة إلى جعل الصراع أمراً محتماً وأشد خطورة. لقد حان الوقت الآن كي يبادر أوباما إلى محاكاة مجتمع الأعمال في كولومبيا والكف عن إدارة الخد الآخر.

خاص «الجزيرة»
مكسيكو سيتي - في مطلع شهر سبتمبر - أيلول
جورج كاستانيدا وزير خارجية المكسيك السابق (2000 - 2003)، وهو أستاذ عالمي متميز للعلوم السياسية ودراسات أميركا اللاتينية بجامعة نيويورك.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد