Al Jazirah NewsPaper Wednesday  30/09/2009 G Issue 13516
الاربعاء 11 شوال 1430   العدد  13516
مركاز
كسر الروتين
حسين علي حسين

 

هناك مآزق كثيرة يقع أمامها الإنسان، حتى أنه -أحيانا- يجد أن كافة الطرق قد سدّت أمامه بحيث يتعذر عليه الخروج من مأزقه أو مآزقه إلا بسلوك طريق الحيلة، ومن هذه المآزق التي كثيرا ما تصادفني، ونادرا ما أجد لها حلا طبيعيا وسلسا، ومن هذه المآزق صيغة التهنئة التي أوجهها للأهل والأصدقاء في مناسبتي دخول شهر رمضان وعيد الفطر بعد أن منحتنا التقنية الوسيلة السهلة والميسرة التي نتمكن من خلالها تقديم التهاني لمن تحب ولمن نأمل أن تلين رسائلنا قلوبهم علينا ولمن نطرح أن نكون تهنئتنا لهم مدخلا لمد ما انقطع من حبل الود والصداقة!

وقد أحصيت الأسماء التي تسكن (جوالي) فوجدت أنها لو اجتمعت بلحمها وشحمها فإن عمارة من ثلاثين أو أربعين دورا لن تكفيهم، لكنهم في هذا الجهاز السحري يتحولون بضغطة واحدة إلى كائنات من لحم ودم تضحك وتبكي وتتوتر وتشتم وتسترحم، كل هذه العواطف الإنسانية في جهاز تحتويه قبضة كفي، كيف لي أن أخاطب كل هؤلاء، فردا فردا، صغيرهم وكبيرهم، المتعلم والجاهل منهم، المثقف والمتثاقف، الحكيم والأحمق، الطيب والذي على نيته؟ كل واحد من هؤلاء شعرت بأنني لابد أن أوجه له تهنئة تليق به، تكون على مقاسه، تدخل مباشرة في لواعج نفسه وعواطفه، وتجعلني في لحظة وطالما يتلقى رسالتي حاضرا أمامه، كما كان حاضرا أمامي وأنا أفكر بالطريقة التي أهنئه بها، بعد أن وجدت الوسيلة، الآمنة، والسهلة، التي تنقل تهنئتي، دون أي مجهود، كما كان يحصل في الأيام أو السنوات الخوالي!

هذه الحيرة، رغم كل ما قرأت وكتبت، على مدى سنوات طوال، تجعلني في الغالب أتقاعس عن المبادرة في التهنئة، انتظارا لما يجود به الأصدقاء من رسائل التهنئة، لكي أختار أكثر جمالا واختصارا، لأبادر في إرسالها للجميع، باستثناء الذي اخترت عبارته، هذا الشخص، أقدح ذهني لكي أوجه له رسالة من بنات أو أولاد أفكاري!

صرت على هذا الطريق عدة أعوام أو مناسبات، ثم اكتشفت أشبه ذلك الريفي الذي حاول أن يضع نقودا فضية، مثل الموجودة في أيدي الناس، فأخذ من الطريق قطعة نحاسية مدورة ولا تحتاج لتكون قطعة نقدية فئة نصف ريال إلا إلى خرم في وسطها، ذهب بالقطعة إلى الحداد، فطلب منه الحداد أجرا على خرم القطعة وتسويتها نصف ريال، فقال له أخونا الريفي: خلاص يا عم اخرمها وخذها أجرا لك!!

في السابق كنا نطرق على منازل الأهل والأصدقاء، لنقدم التهاني وجها لوجه، وكنا ننتظر هذه المناسبات لنقدم هذا الواجب، الآن لا تذهب إلى المنازل ولم نعد نرفع سماعة الهاتف، اكتفينا برسائل الجوال ورسائل الإيميل، وحتى هذه أصبحنا نحتار في الكلمات التي نرسلها، هل جفت العواطف؟ أم أننا لم نعد سببا لتقديم بضع كلمات نعرف ويعرف مرسلوها ومستقبلها أنها مهمة وأنها كاسرة لروتين أصبح يطوينا طوال العام.

فاكس: 012054137



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد