Al Jazirah NewsPaper Wednesday  30/09/2009 G Issue 13516
الاربعاء 11 شوال 1430   العدد  13516
خاطرة حول خواطر: هل يقودنا الألم إلى الأمل؟!
د. فهد بن علي العليان

 

كسب برنامج خواطر الذي قدمه الأستاذ أحمد الشقيري على قناة إم بي سي في شهر رمضان سمعةً طيبةً وشهرةً ذائعة الصيت. ولقد حظي البرنامج - وحق له ذلك - بقبول كبير لدى معظم الذين تابعوه؛ حيث لقي استحسان وترحيب الكثيرين؛ وذلك لأنه - من وجهة نظري - استطاع أن يقدم كثيراً من القيم والمبادئ بطريقة ذكية ومؤثرة لكنها غير مباشرة. لقد استطاع مقدم البرنامج أن ينقلنا جميعاً معه إلى أرض (كوكب) اليابان للاطلاع على ثقافة شعبها وجديتهم وانضباطهم دون أن يشعرنا أنه يوجه إلينا صغاراً وكباراً دعوة للتأسي والاقتداء. إن ما قدم في تلك الحلقات كان شيئاً رائعاً ومتميزاً ونحن في العالم العربي أحوج ما نكون إليه خاصةً في هذا الوقت الذي تشتد فيه المنافسة بين الثقافات سعياً لإثبات الذات وفرض الهويات.

إن كثيراً من الأفكار التي طرحت في البرنامج تحتاج منا إلى وقفة شجاعة للبدء بتنفيذها وتحويلها إلى واقع يمارس في الحياة وعلى أرض الواقع بدلاً من اجترار الماضي والتعلق به والاتكاء على أمجاد مضت وسنوات خلت؛ لأن لدينا بفضل الله الكثير والكثير من المبادئ والقيم والمثل العليا التي يحق لنا أن نفاخر بها، ولكن الأهم هو التطبيق والممارسة، ولن يكون ذلك إلا من خلال فرضها بأسلوب علمي متميز على الصغار منذ نعومة أظفارهم. إن كثيراً من القيم المشتركة يحترمها الناس في مختلف الثقافات والدول، بل ويقدرونها ويحرصون على تعليمها لأطفالهم لتنتقل من جيل إلى آخر؛ مما يجعل مسؤولية الآباء والأمهات والمربين والمربيات لدينا مسؤولية مضاعفة في تكريس هذه القيم وتنشئة الأولاد والبنات عليها؛ لتكون سلوكاً معهم في المنزل والمدرسة والشارع والأسواق.

وعوداً على ما قدمه برنامج خواطر فقد دارت حوارات في كثير من المجالس بعد رمضان عن هذا البرنامج ومدى فائدته، لكن يبقى تساؤل لا بد من طرحه ومناقشته بين مختلف فئات المجتمع وهو: لماذا وكيف استطاع اليابانيون الالتزام بتطبيق الكثير من المبادئ والقيم؟ وهل أخفقنا نحن في ذلك؟ أعتقد أنهم لم يصلوا إلى ذلك من فراغ، بل بذلوا في سبيل ذلك جهوداً كبيرة وجبارةً، ولعل الخطوة الأولى في ذلك - من وجهة نظري- تبدأ من التعليم خاصةً في المرحلة الابتدائية؛ مما يحتم على وزارات التعليم في الوطن العربي ورجالات التعليم فيها الاهتمام بهذه المرحلة اهتماماً شديداً من حيث ما يقدم فيها من برامج بالإضافة إلى نوعية ومؤهلات من يتولى التدريس في هذه المرحلة، وأنهم لا بد أن يكونوا من الأكفاء المتميزين. إن معلماً واحداً باستطاعته أن يكسب سلوكيات خاطئة لمجموعة من الطلاب، بينما يستطيع آخر أو تستطيع معلمة أن يقدما مجموعة من المبادئ والسلوكيات بشكل مقبول ويمارس على أرض الواقع. إنه ليس المهم أن يقوم المعلمون أو المعلمات بحشو أذهان الطلاب أو الطالبات بالمعارف والمعلومات؛ إذ أصبحت هذه متاحةً للجميع من خلال شبكة الإنترنت وغيرها، لكن يبقى زرع الثقة في نفوس الطلاب والطالبات هو الغاية التي نسعى لها، وكذلك الرقي بالذوق العام لهؤلاء والمحافظة على المكتسبات العامة.

إنني كما يأمل غيري ألا تكون استفادتنا من ما قدمه الشقيري وزملاؤه مجرد ردود فعل وقتية ثم تزول تدريجياً، بل إننا نتطلع إلى مواصلة مثل هذا البرامج للاطلاع على بعض السلوكيات والعادات الاجتماعية والثقافية الإيجابية لدى مختلف الشعوب؛ خاصةً أن تأثير البيت والمدرسة لم يعودا بالشكل المطلوب؛ ومن ثم فإنه من المؤمل كذلك أن تستفيد وزارة التربية والتعليم من مثل هذه البرامج التي تسعى لتقديم بعض النماذج الإيجابية في الممارسات والسلوك لبعض الشعوب المتقدمة.

إن برنامج خواطر يعد إحدى المحاولات التي لم تخلُ من أخطاء، لكنها تجربة جيدة سعت إلى هدف نبيل؛ مما يتطلب من الجميع المشاركة بإيجابية نحو غرس الكثير من المبادئ والقيم الجميلة لدى أولادنا وبناتنا. وأخيراً، إذا كنا تألمنا من بعض واقعنا، فهل يقودنا الألم إلى الأمل القادم؟!



alelayan@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد