Al Jazirah NewsPaper Wednesday  30/09/2009 G Issue 13516
الاربعاء 11 شوال 1430   العدد  13516

مبنى والمعنى
النص وروح العصر
إبراهيم الشتوي

 

إن المتأمل للتجربة الشعرية لكثير من الشعراء، يجد أغلبها في حالة انفصال تام رؤية ورؤيا عن العصر الذي يعيشه، فالشعر ليس قوالب جاهزة، وليس وصفاً خارجياً ولا نقلاً مادياً، كذلك ليس نسفاً للتاريخ والتراث من فكر الشاعر وشعوره، وليس محاربة وعداء للمعجم اللغوي القديم، فعندما أطلق رامبو دعوته (لابد أن نكون عصرين بصورة مطلقة) وقع في فخ الإخفاق والجمود عند حد معين والوقوف عند وصف الشواهد دون التغلغل بأعماقها ذاتياً وفهمها شعورياً، إذ إن الشعر روح تبوح بفلسفتها الجمالية الخاصة، التي تنبع من الذات وتعبر عن مكنونات النفس ويتنفس رؤيتها وانغماسها بالأشياء والعالم دونما نقل جامد ككاميرا المصور التي تعكس اللقطة كما هي، فكلما ابتعد النص عن التقريرية والمباشرة شكلاً ومضموناً، واقترب من تجسيد رؤيته الخاصة والخالصة بحسب ثقافته وخبرته كان أقرب للديمومة والاستمرارية شعراً وذكراً، كما أن للاتصال بالتاريخ والمورث باتزان ووعي توجد علاقة متفاعلة بين الفكرة والبناء بين الشكل والمضمون، فهو عملية تراكمية تنمو تتطور على مر العصور فلا يمكن للمبدع أن يبدع ما لم يقرأ ويعي ما سبقه من آداب وفنون كي يبدع ويطور اللاحق على السابق، فهناك فرق جوهري أن نعيش (في) التراث وأن نعيش ب(التراث)، كما قال ذلك الدكتور عزالدين إسماعيل -رحمه الله-، يقول الأمير بدر بن عبدالمحسن من نص (عظم وغضاريف):

يا واردين العد.. كفّوا المغاريف

اللي بقى دمعٍ هماجٍ ذريفه

والله لو دمّي يغيث الملاهيف

قطعت عرقي لين يصفى نزيفه

فنجده هنا كيف استطاع أن يوظف الموروث ويستفيد من المفردة الشعبية القديمة بإعادة صياغتها برؤية جديدة تناسب روح العصر الذي يعيشه وبقالب فني جديد يرتقي بالذائقة ويغري المتلقي.. فالنص الذي يمثل روح العصر هو ذلك النص الذي يحقق النماء والخصب في أرضه، مستفيداً من تقنيات الشعر، ومستوعباً العالم الخارجي وفاهماً له معنوياً ومكتشفاً لقيمه الجمالية والنفسية والفكرية والاجتماعية، رابطاً الماضي بالحاضر، والحاضر بالمستقبل، ويكون مرآة لشعوره وإحساسه الداخلي تاركة للمتلقي مساحة كافية وفضاء رحباً للمشاركة والتفاعل، ماداً جسراً من التواصل بلا فواصل بينه وبين روح عصره.

mim0150@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد