Al Jazirah NewsPaper Friday  02/10/2009 G Issue 13518
الجمعة 13 شوال 1430   العدد  13518
البعد التربوي في برقيتي خادم الحرمين وولي العهد الأمين
د. محمد بن شديد البشري

 

البنية العميقة للغة كما يقول عالم اللغة الأمريكي نعوم تشومسكي ادعى وأكثر أثراً من البنية السطحية للغة، لأن المعاني العميقة والمضامين الهادفة تكون عادة كامنة في السياق اللغوي وفي تداعي المعاني وتماسكها داخل البنية اللغوية، فضلاً عن أبعادها التربوية، ومغازيها الهادفة.

إن اختزال المعاني في كلمات معدودة وإلباس الألفاظ مضامين هادفة ومؤثرة يحتاج إلى مهارة لغوية وقدرة تعبيرية تعكس صدق العاطفة وحرارة المشاعر ونبل الهدف، والقادرون على مثل ذلك قلة؛ لأن المشاعر عادة يفسدها التكلف، ومخزون القلب دائماً يخرجه اللسان، ويسطره البنان.

إن البعد التربوي والمعاني التربوية، والقيم المربية تكون أكثر تأثيراً إذا جاءت بأسلوب غير مباشر وطريقة غير مصطنعة، كما أنها تكون أبقى أثراً إذا جاءت في سياق غير متكلف وفي عفوية صريحة خاصة إذا جاءت تلك المعاني من شخصيتين محبوبتين يكن لهما الجميع كل محبة واحترام.

لقد جاءت البرقيتان المتبادلتان بين خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين بمناسبة إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في سياق ليس فيه أدنى تكلف وفي مضمون خال من الصنعة وكلمات بعيدة عن الغموض.

لقد حوت البرقيتان معاني سامية وقيماً نبيلة تعكس قيم الكبار لتكون فرصة ينهل منها الكبير قبل الصغير ويستفيد منها البعيد قبل القريب.

استهلت البرقيتان بعبارات تغرس قيمة التواضع وتنشر ثقافة الاحترام، فخادم الحرمين يخاطب ولي العهد الأمين بقوله: أخي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ويجيبه الأمير سلطان بقوله: سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.

لقد وضح خادم الحرمين الشريفين رؤيته التي يسير في ضوئها والتي يجب أن تكون نبراساً لكل مسؤول في هذا البلد المعطاء فيقول: يعلم الله أننا في توجهنا هذا لا نسعى إلا لخدمة ديننا وبلادنا وأهلنا فهو يقدم دينه الذي يدين به ثم يثني ببلده الذي نذر نفسه لخدمته، كما أنه يسعى جاهداً لتقديم الخدمة للعالم أجمع الذي يريد له الخير ويريد له الرقي والسلام، ويؤكد هذه الرؤية ويصدقها أخاه الأمير سلطان بن عبدالعزيز الذي يقول: لقد عرفتك يا خادم الحرمين الشريفين شغوفاً بالوطن مخلصاً للعقيدة وفياً للأمة محباً للإنسانية.

إن خادم الحرمين يغرس قيمة الوفاء، ويؤكد عليها ولا ينسى الرجل الذي وحد هذه البلاد ونشر الأمن فيها بقوله: خليق بمثل هذه الجامعة أن تكون رمز وفاء لموحد دولتنا الذي أفنى عمره في سبيل الله جل جلاله ثم بتجسيد حلمه، ووفاء لهذا الرجل العظيم نقدم هذه الجامعة كبعض قطاف زرعه لعلنا نفيه بعض حقه من الوفاء وهذا أيضاً ولي العهد الأمين في برقيته الجوابية يجسد قيمة الوفاء بقوله نبارك للوطن هذا الإنجاز الذي تحقق على أرض الحرمين الشريفين وتحقق على أرض الواقع بعد أن كان حلماً راودكم خلال خمسة وعشرين عاماً وتحقق في زمن قياسي بفضل الله ثم بفضل توجيهاتكم ورؤيتكم في تأسيس هذه الجامعة العالمية.

لم ينس الأمير سلطان أن ينسب الخير لأهله وأن يعزو الرقي والتقدم لأصحابه فهو يقول بكل صدق يا سيدي أن هذه الجامعة ما هي إلا لبنة واحدة في مشروعكم الوطني الكبير للتحديث فقد شيدتم المدن الصناعية ودعمتم الأبحاث والكراسي العلمية وضاعفتم عدد الجامعات السعودية وبنيتم اقتصاداً يقوم على المعرفة واستثمرتم في الإنسان تعليماً وتدريباً وتوظيفاً.

لقد كانت رؤية خادم الحرمين واضحة ورسالته محددة حينما أسس جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية فهو يريدها جامعة عالمية بثوب سعودي وجسد وطني فهو فخور بأصالته معتز بدينه باحث عن الحكمة حريص على تمازج الأفكار والعلوم في محيط من القيم والأخلاق والأصالة وذلك لتعزيز مفاهيم العطاء العلمي الذي يهدف لتجسيده كما قال على أديم أرضنا الطاهرة.

كما أن خادم الحرمين الشريفين لم ينس أن يذكر الجميع بأن كل ما تحقق وسيتحقق هو بتوفيق الله والاعتماد عليه، وهذه القيمة من أنبل القيم التي يؤمن بها ويدعو إليها دائماً، ولذلك نراها تجسدت أيضاً في برقية ولي العهد الأمين حينما قال: نحمد الله أن بلادنا اليوم جنباً إلى جنب في صفوف دول متقدمة وأنها تسير بجد وعزيمة نحو العالم الصناعي الأول وقد أخذنا بالأسباب المادية متوكلين على الله، ثم متسلحين بعزيمة المؤمن التي لا تلين.

لا أظن أحداً سيمل أو يكل من ترديد قراءة أو سماع تلك البرقيتين، لأنهما كنزان عظيمان كل ما تغوص فيهما ستجد ما تريد من المعاني الفاضلة والقيم الرشيدة التي سطرها رجلان عظيمان حكيمان نكن لهما كل مودة واحترام ولأن كل مفردة كتباها تفيض بالمعاني الصادقة، وتعكس القيم النبيلة التي يؤمن بها قادة هذا الوطن المعطاء الذين ضحوا من أجل بلدهم وتفانوا لخدمة أبناء شعبهم، فجسد الجميع صورة التلاحم بين الراعي والرعية التي لن ينقض غزلها بمشيئة الله نعيق الناعقين أو هراء المشككين وهرطقة الحاقدين.

- أستاذ المناهج وطرق التدريس المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود


albashri@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد