Al Jazirah NewsPaper Friday  02/10/2009 G Issue 13518
الجمعة 13 شوال 1430   العدد  13518
ماذا علمتنا جامعة الملك عبد الله قبل أن تبدأ..؟
عثمان بن عبد العزيز الربيعة

 

احتفل الوطن في ذكرى اليوم الوطني للمملكة بحدث بارز ذي أهمية استراتيجية ذلك هو افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية من قبل راعيها ومنشئها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - واختيار اليوم الوطني - الذي تعتز به المملكة - موعداً لافتتاح الجامعة يدل بالفعل دلالة عميقة على أهمية هذا الحدث ذلك أن المسألة ليست مسألة افتتاح جامعة جديدة، فإن لدينا 25 جامعة حكومية وسبع جامعات أهلية موزعة على مناطق المملكة. وقد أوضح خادم الحرمين الشريفين في كلمة الافتتاح المعاني الثلاثة لإنشاء الجامعة، التي تتلخص في كونها استمراراً لتاريخ حضاري ونموذجاً لتعاضد العلم والإيمان ومنارة تصدح بلهجة التسامح وحوار العقول. والدروس التي نتعلمها من هذا الحدث كثيرة ويكفي أن نأخذ بعضاً منها:

أولاً: إن جامعاتنا المنتشرة على طول البلاد وعرضها تمثل المرحلة العليا من التعليم الذي يهدف لتأهيل الآلاف من الشباب والشابات لحياة العمل فالتعليم الجامعي هو أساس رسالة الجامعة، وتكتمل هذه الرسالة بالبحث العلمي وخدمة المجتمع وإتاحة فرص الدراسات العليا. ومع ذلك لا يزال البحث العلمي والدراسات العليا كلاهما واقعا تحت تأثير الحوافز الشخصية والموارد المالية المحدودة. ومن المعلوم أن ما ينفق على البحث العلمي في المملكة - مثل سائر الدول العربية - يقل عن نصف في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بينما يصل في الدول المتقدمة إلى ثلاثة في المائة. ويقتضي الإنصاف أن نشير هنا إلى اتجاه الجامعات - وعلى رأسها جامعة الملك سعود - لإنشاء الكراسي البحثية التي تمولها بعض المؤسسات أو بعض الأشخاص القادرين. وأيضاً إلى مراكز البحوث النشطة في بعض الجامعات وإلى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. وهذا يعكس تحولاً في النظرة العامة إلى أهمية البحوث ولكنه لا يغير كثيراً من الصورة العامة لواقع البحث العلمي في المملكة. لكن الأمر مختلف في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية فهذه الجامعة جعلت من البحث العلمي جوهر رسالتها وهدفها الأساسي. وحصرت نشاطها التعليمي - في الوقت الحاضر على الأقل - في الدراسات العليا، حيث قبلت عدداً محدوداً من صفوة خريجي الجامعات كيما يكونوا في المستقبل علماء باحثين يواصلون تأدية رسالة الجامعة بما هو متاح لهم من فرص البحث والإبداع والابتكار.

هذا التخطيط بعيد النظر يرمي إلى ردم الهوة السحيقة التي أحدثها التخلف في مجال البحث العلمي وبحوث التقنية، ويجعل المملكة جديرة بأن تأخذ مقعدها في صف الدول المتقدمة إن واصلت السعي على هذا الدرب.

ثانياً: ان هذه الجامعة - وهي في ذلك منسجمة مع الهدف الذي وضعته - لم تسبح في أفق الأماني، بل ركزت اهتمامها على مجالات علمية وتقنية ذات مستقبل واعد عالمياً وذات صلة قوية بالاحتياجات الوطنية والبيئة المحلية في المملكة. ومن ذلك - على سبيل المثال، كما ذكر المسؤولون في الجامعة - أبحاث الطاقة الشمسية وتطوير المحاصيل الغذائية التي تنمو في الأراضي القاحلة والمياه المالحة، والاستغلال الأمثل لبيئة البحار ورمال الصحراء، إضافة إلى مجالات التقنية الحيوية والنانوية.. وغيرها. هذه المجالات البحثية سوف يسخر لها ما تحتاجه من امكانات، بحيث لا يعوقها نقص في الموارد البشرية أو المالية إذ إن جدواها ظاهرة كما يتضح من تصريح لمعالي المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية ورئيس مجلس الأمناء، ذكر فيه أن الجامعة سوف تقرن المنجز العلمي بالمنجز الاقتصادي الذي يحقق رفاه ورغد المجتمعات المجالات المذكورة آنفاً كانت أيضاً في متناول البحث العلمي في بعض جامعاتنا ومعاهد البحوث الأخرى بالمملكة، لذلك فإن جسور التعاون التي سوف تمد بين جامعة الملك عبد الله وتلك المؤسسات العلمية من شأنها أن تفتح الطريق أمام التنسيق والتواصل المعرفي وتكامل الجهود والموارد والكفاءات العلمية.

ثالثاً: مثل هذا المشروع العملاق ما كان له أن ينجز في الوقت وبالشكل المرغوب بدون استيفاء ثلاثة شروط جوهرية لو اختل واحد منها لتعثر المشروع. إرادة سياسية توجه وتسخر الإمكانات وتدفع للانجاز، وتسأل - بل تلحف في السؤال عما أنجز، وهذا هو ما حصل حقيقة فقد أعلن خادم الحرمين الشريفين عن عزمه على تحقيق الحلم الذي راوده طوال 25 سنة - في الطائف في أول عام 1427هـ.. وتحقق ما أراده الملك - حفظه الله - بعد ثلاثة سنوات ونصف. هذا هو الشرط الأول أما الشرط الثاني فهو أنه لم يبدأ في تنفيذ المشروع إلا بعد أن استوفيت متطلباته وخصصت له الاعتمادات اللازمة وخصصت له أيضاً أوقاف ينفق منها على تشغيله. ويتمثل الشرط الثالث في ارخاء قبضة البيروقراطية لذلك كان لابد من اسناد إدارة المشروع والاشراف عليه إلى قيادة جيدة تتصرف بكفاءة واقتدار وأمانة وتتمتع بالثقة والصلاحيات دونما خضوع لتسلسل اداري متعدد الرؤوس والمراتب أو اجراءات بيروقراطية تعطل أو تبطىء حركة المشروع ولدينا من الشواهد ما يكفي للبرهنة على صحة ما ذكرناه. ومن أمثلة ذلك مشاريع توسعة الحرمين الشريفين ومشروع الجبيل وينبع، وأخيراً - وإن كان مثالاً من خارج المملكة - مشروع مترو دبي فإنه في جميع هذه المشاريع وأمثالها تم تحديد الهدف المراد تحقيقه وما يحتاجه من متطلبات، وتم توفير هذه المتطلبات (المالية وغيرها) وتخصيصها - حصرياً لصالح المشروع، وتقرر اسناد قيادة المشروع إلى جهة قديرة وغير معلقة بحبال البيروقراطية، ثم اذن للمشروع أن ينطلق.

وهكذا بدأ مشروع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية كحلم ثم تحول إلى خطة ثم إلى انجاز قارنوا ذلك بمشاريع أخرى تبدأ خططاً ثم تتبخر أحلاماً.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد