تمر علينا هذه الأيام مناسبة غالية على الجميع، نسترجع فيها ماضينا التليد ونعيش فيها حاضرنا السعيد ونتطلع فيها إلى مستقبل يعد بالمزيد، إنها المناسبة التاسعة والسبعون لليوم الوطني لبلادنا الحبيبة التي نستلهم منها العبر ونستفيد منها الدروس، وقد اخترت الحديث في هذه المناسبة العزيزة عن موضوع يشغل كل ذي لب ويثير اهتمام كل ذي رأي، ألا وهو حقيقة (المواطنة) هذه الكلمة التي أساء البعض إليها كثيراً، واستهان البعض بها كثيراً، واعتدى البعض عليها كثيراً.
فكل إنسان في هذا العالم ينتمي إلى وطنٍ عبارة عن مساحة محددة من الأرض يُطلق عليها اسم تُعرف به بين قريناتها من المساحات الممتدة على وجه هذه البسيطة، والتي تضم عادة مجموعة من البشر يجمع بينهم الكثير من القيم والعادات والصفات والخصائص المشتركة، فهذه الكلمة الصغيرة في مبناها الكبيرة في معناها، والتي استسهل البعض منا إطلاقها على أنفسهم دون أن يدركوا حقيقتها ومتطلباتها، واعتقدوا خطأ أنها مجرد حلية يباهون بها الآخرين، أو أنها مجرد هوية ورقية أو ممغنطة تبرز عند الحاجة.
إنّ هذه الكلمة التي ظلمها البعض أو الكثير منا بتضييق معناها أو اختصاره في ذواتهم المتضخمة بالأنا، واعتقدوا أنهم أحق بها وأهلها، وأن ما سواهم ممن يشاركونهم نفس المساحة ونفس المكان ويقتسمون معهم نفس الأرض ليسوا سوى خشاش أو فضلة أو أي شيء آخر يُمكن الاستغناء عنه أو العيش بدونه، ونسوا أو تناسو كثيراً من الحقائق والوقائع والدلائل والشواهد التي تؤكد الشراكة والتساوي في الانتماء بل وتبين تميز الآخر أحياناً، وسبقه أحياناً، وأهميته أحياناً، وتفوقه أحياناً، فهذه حكمة الخالق ونعمة الرازق الذي جعل المصالح تتداخل والحاجات تتبادل والقدرات تتكامل.
إذاً المواطنة ليست مجرد كلمة تتحرك بها الشفاه أو شعار تلتهب به الحناجر أو عنصرية بغيضة ممجوجة عفا عليها الزمن وظهر منها العفن، تريد أن تنقلنا من عصر النور إلى عصر الظلام، ومن عصر العلم إلى عصر الجاهلية، ومن عصر الإنسانية إلى عصر الوحشية ومن عصر الوحدة والاتفاق إلى عصر الفرقة والاختلاف.
إن المواطنة الحقة في أبسط صورها وأجمل حللها، عبارة عن سلوك إيجابي فاعل يُعبر عن حبٍ حقيقي صادق لتلك المساحة من الأرض التي تُسمى وطنا أو تُسمى أُمًّا ولإخواننا الذين يشاركوننا سكناها وقيادتنا فيها، وبقدر ما نكون بارين بتلك الأم، مخلصين لها، مشفقين عليها، ناصحين لها، متفانين في خدمتها وطلب رفعتها، نستحق الانتماء إليها والارتباط بها، وما عدا ذلك ليس من الوطنية والمواطنة في شيء، وإنما هو نوع من الكلام السهل والادعاء الباطل.
تهنئة:
كل عام وأنت يا وطني ترفل في ثياب المجد والسؤدد، وقد هرب منك الفقر واختفت منك الأمراض وهجرتك البطالة وخاصمتك الفرقة وحالفتك النزاهة وسادتك القيم وعم ربوعك الأمن والأمان.
Newvoice2009@yahoo.com