Al Jazirah NewsPaper Friday  09/10/2009 G Issue 13525
الجمعة 20 شوال 1430   العدد  13525

نوازع
حوائج الناس
د. محمد بن عبدالرحمن البشر

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حوائج الناس إليكم نعم الله عليكم، فلا تملوا النعم) رواه مسلم. ما أبدعه من معنى وما أجمله من لفظ، وكيف لا وهو قول المصطفى صلى الله عليه وسلم، حوائج الناس لبعضهم سنة من سنن الحياة، والسعيد من أنعم الله عليه بالقدرة على قضاء حاجات عباده ففعل.

والناس طبقاً لحوائجهم أصناف، فمنهم من حاجته في غمط غيره، أو طلب حاجة ليست له بحق، وهذه حوائج أناس من نعم الله ألا تقضى فقضاؤها فيه ظلم للغير، وتجاوز للحق، ومن النعمة أن يكون المرء عادلاً متلمساً للحق باحثاً عن سبل التنعم بتطبيقه، ومنهم من يحتاج إلى منصف يؤتيه حقه، وعادل يبحث له عن سبيل نجاة، فيلجأ إلى منقذ ينقذه، ومنهم من حاجته ليس بها إجحاف ظاهر للغير، أو حق بين، فيكون الميل إلى التيسير أولى من نهج التعثير.

والموظفون صغرت مراتبهم أو كبرت، وقلت أهمية ما تحت أيديهم أو كثرت، هم أولئك الذين أنعم الله عليهم بحاجة الناس إليهم، ومن المصلحة ألا يملوا النعم، وأن يجتهدوا في نيلها بالتيسير.

كم منا نحن الموظفين من طرق باب مكتبه صاحب حق فصددناه لانشغالنا بعزيز زائر نتلهى بالجلوس معه، ونستأنس بحديثه، أو ربما أرجأنا النظر في أمره لا لشيء إلا لأننا متكاسلون عن طلب وثائقه والنظر فيها، وكم منا نحن الموظفين من سمحنا له بالدخول إلى مكاتبنا، أو نظرنا في وثائقه بعد دخوله أو دون دخوله وأمره قابل لاحتمال القبول أو الاعتذار، فاخترنا الاعتذار فعسرنا ولم نيسر، وأوصدنا بابا أمام حاجة محتاج، وكم منا نحن الموظفين من قضى حاجة أحد معارفه، وفي اليوم ذاته بل الساعة ذاتها، رفض لغيره حاجة مماثلة لها تماماً، وكم منا نحن الموظفين من استقبل المراجعين متجهم الوجه، مقطب الجبين، تنفر منه الإنس والشياطين لا ينفع ولا يشفع، حتى مع الإلحاح، لينطبق عليه قول الشاعر:

أصبحت أحلب تيساً لا مدر له

والتيس من ظن أن التيس محلوب

وخلاف ذلك كم منا نحن الموظفين من يسعد بإسعاد الناس، ويحمد الله على أن منّ عليه بقضاء حوائجهم فلا يمل النعم، يبحث عن سبيل للتيسير ويلتمس العذر للمخطئ، ويتجاوز عن بعض الشروط غير المخلة بالنظام إن رأى أن الضرورة تستدعى ذلك، يلتمس فعل الخير والتيسير لمن يعرف ومن لا يعرف حتى يكاد ينطبق عليه قول الفرزدق في زين العابدين رضي الله عنه:

ما قال لا قط إلا في تشهده

لولا التشهد كانت لاؤه نعم

ابتسامته تعلو وجهه، واعتذاره بلطف، ورده بحلم، وكأنما انطبق عليه قول ابن تومرت في عبدالمؤمن بن علي:

السنّ ضاحكة والكف مانحة

والصدر منشرح والوجه منبسط

ومع هذا فمثل هؤلاء الموظفون قد يتعرض إلى اللوم من بعض معارفه لأنه قضى له عشر حوائج متجاوزاً في بعضها بعض ما يسمح به النظام، ثم يعتذر عن الحادية عشرة بسبب شرط لا يمكنه أن يتعداه، فيقيم صاحب الحاجة الدنيا ولا يقعدها، وينعت الموظف بصفات ليست له بصفات، ولا يعذر لصاحبه اعتذاره، ولا يقبل سوى قضاء حاجته مهما كانت عسيرة، وغير مقبولة، وهذا الصنف من أصحاب الحوائج مسامحته أولى، فصاحب الحاجة أعمى، ولو جاء في المرة الثانية عشرة طالباً حاجة حق فمن الواجب قضاؤها.

لقد وقفت وقفات تأمل كثيرة، عندما أجد أن صاحب حاجة راجع موظفاً بيده النظام والوثائق لدى صاحب الحاجة مكتملة ومع ذلك فتراه يلتمس الشفاعة هنا وهناك، مع أنه صاحب حق من واجب الموظف قضاء حاجته، وليس له فضل في ذلك فقد قام بالواجب المسند إليه. غير أن بعض الناس قد تعودوا على اللجوء إلى الآخرين مهما كان الأمر. فكسب الشفيع معروفاً في أمر يمكن لصاحب الحاجة الاستغناء عنه.

جعلنا الله للحق ناظرين، وللتيسير فاعلين وأن يسخر لنا قلوب الموظفين، ويهدي الجميع السبيل المبين.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد