Al Jazirah NewsPaper Monday  12/10/2009 G Issue 13528
الأثنين 23 شوال 1430   العدد  13528
الرئة الثالثة
بعض.. ملامح لا تغادر البال!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

 

(1) ومضة ذكرى

* يسألني البعضُ بعد قراءة الجزء الأول من سيرتي الذاتية (قطرات من سحائب الذكرى): لِمَ كان الانفصال بدءاً بين والديك في صغرك.. وما تلا ذلك من شَتَاتٍ لك في النفس والحركة والفؤاد، فأقول رداً على ذلك السؤال:

* لا أعلم حتَّى الآن لِمَ تفّرقا، ولم أجْرُؤ قط على سؤال أي منهما في حياته عن ذلك، لكن أحاديثي العَابرة مع سيدتي الوالدة رحمها الله عبر محطات لا حقة من العمر منحتْني شيئاً من يقين أنّ التباينَ في تكوينهما الاجتماعي ذلك الحين، بمفاهيمه وتقاليده وعاداته، ربما كان جُزْءاً من (القشّ) الذي هدم العشَّ الزوجيَّ، ليرسلني إلى فيافي الشتات، وما تخلّل ذلك من مدّ وجزر تضافرت مخرجاتُهما في تشكيل حياتي عُسْراً ويُسْراً، وأحمد الله أن العاقبة كانت أجمل مما حلمتُ به وخيْراً مما تمنيت!

**

* ورغم ذلك، فقد فتح لي انفصال والديّ رحمهما الله صفحاتٍ عديدة سطرها العوزُ والحرمانُ والمرضُ ومسيرة موجعة من شتات الذهن والقلب بحثاً عن شعلة دفء يذيب شيئاً من صَقيع الحبّ لأمي مقترناً بشيء من غياب الحيل والحيلة، وآية ذلك ما فعلته حين (هربت) من حنان أمي إلى الطائف لحاقاً بأبي كي أوفر لها مناخاً من الاستقرار الزوجي في أبها! كنت أحبَّ أمي حباً دفعني أكثر من مرة إلى (الهجرة) من ديارها كي تنعم هي بحياتها.. بعيداً عني، رغم ما سببه لي بعدها عني من أرق البدن وعذاب النفس! لكن ذلك كله لم يصادر مني الأمل في غدٍ أفضل، وأدركت منذ الصغر أن علي أن أتحمل عبء بلوغ ذلك الغد، وأن من العدل والوفاء لوالدي ألا أحملهما وزره، فحملتُه بصعابه وكبواته وأفراحه وأتراحه، وكان من أمري ما كان بحمد الله.

**

(2) الكتابة فعل إبداعي

* الكتابة فعل إبداعي مركب، بذرته الموهبة، وغذاؤه الثقافة بشقيها، المعرفي والأخلاقي، وهي لدى من يعشق الحرف ضرورية ضرورة الماء والهواء، وكما أن المرء منا لا يملك العيش بمعزل عن أي منهما، فإن فعل الكتابة لدى صاحبها غذاءُ للروح والوجدان معاً، ويبقى العقل بعد ذلك القوة المسيرة لفعل الكتابة، وبه يكون الكاتب أو لا يكون!

**

* الكتابة في بعض أغراضها مرآة للنفس وما يساورها من عسر ويسر، وهي سجل لإرث السابقين ومن سبقهم، وهي بعد كل شيء، صراطٌ يعبر عليه موروثنا إلى من يلينا من أجيال! ولولا الكتابة ما أطربنا شعر امرئ القيس، ولا ألهمتنا عبقرية المتنبي، ولا بلغنا إبداع شكسبير!

**

* بالكتابة دوّن نوبل سلعته المشؤومة، ومن خلال الكتابة، يلتمس نوبل كل عام (غفران) شعبه والبشرية كلها عبر جوائز الإبداع للمتفوقين في خدمة الإنسان علماً ورفاهية وسلاماً!

**

* باختصار الكتابة في أدق معانيها ممارسة العقل والقلب لدورهما معاً.. في تأكيد منظومة (بقاء) الإنسان بعد رحيله، وأعني بذلك ما (يورثه) من عطاء الفكر والوجدان معاً، وخير صراط يُعبر به هذا (البقاء) من جيل إلى جيل هو الكتابة.. فهي الشاهد لخلود من مضى، وهي قبس الإلهام لمن بقي، وهي حافزُ الإبداع لمن سيخلف هذا وذاك!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد