Al Jazirah NewsPaper Monday  12/10/2009 G Issue 13528
الأثنين 23 شوال 1430   العدد  13528
اللي اختشوا ماتوا!
خالد الخضري

 

قبل سنوات شهدت إحدى مدن المملكة حادثة حريق في قصر أفراح في الصالة الخاصة بالنساء، وسارع رجال الدفاع المدني إلى الموقع لإطفاء الحريق فواجهوا رفضاً شديداً من صاحب الزفاف -والد العريس- الذي كان رجلاً كبيراً في السن، ومتشدداً، والذي ظل يصرخ في رجال الدفاع المدني ممانعاً من دخولهم إلى الصالة النسائية، بحجة انكشاف (المعور) على الرجال، يقصد النساء طبعاً.

مما أدى إلى احتراق عدد من النساء، سوى ثلة منهن ممن تمكن من الهرب إلى الشارع، دون لبس عباءة -لا على الرأس ولا على الكتف- فقد كان الموقف صعباً للغاية. هذا الموقف يذكرني بمثل مصري شهير كان مرتبطاً بحادثة مشابهة وهو: (اللي اختشوا ماتوا).. وقد ضرب هذا المثل على حادثة حريق حصلت في إحدى حمامات البخار النسائية (قديماً) التي كانت منتشرة في الوطن العربي، مثل حمامات الحميدية في سوريا التي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا وغيرها.

الذي حصل أن النسوة اللواتي خجلن عن الخروج من الحمام والانكشاف أمام الرجال ماتوا في الحريق، أما اللواتي سارعن للهرب فقد كتب الله لهن النجاة.

والمسألة يا سادتي ربّما لا تتوقف على نكتة أو مثل شعبي شهير، وإنما تتجاوز ذلك، فعندما نتأمل موقف الرجل الذي قام بمنع رجال الدفاع المدني من الدخول لصالة النساء في قصر الأفراح، كان يردد عالياً (المعور، المعور) وهذا اللفظ من الألفاظ الصعبة، شديدة الأثر على نفسيات النساء، فلا يمكن أن ينظر للمرأة في هذا العصر نظرة جاهلية، ومثل هذه الأفكار حاربها الإسلام، حيث منع وأد البنات، ونحن نعود الآن للوأد في الألفاظ والنظرات الاجتماعية القاسية، المعتمدة على قصر النظر، والتخلف في التعامل مع مخلوق لا يختلف عن الرجل في شيء، سوى في رسالتها، والوظائف التي تقوم بها، وهذا الاختلاف هو سنة كونية، أرادها الله للمرأة فهي أمك، وأختك، وزوجتك، وبنتك، كيف يمكن أن تظل النظرة قاصرة في عصر العلم، القرن الحادي والعشرين، وقبله بأربعة عشر قرناً جاء الإسلام ليحرر المرأة من الوأد والرق، والذل، ليعطيها قدرها، عبر احترامها وثقتها من نفسها العفيفة الشريفة، مخاطباً الرجال والنساء في القرآن الكريم على حد سواء {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} سورة التوبة، وغيرها من الآيات الكريمة.

وكلمة (معور) تعني العار، بمعنى أن هذه المخلوقة المسكينة تمثلاً عاراً لذلك الرجل، مع أنه ليس ذنبها أن خلقت امرأة في مجتمع يسجنها بسبب أنوثتها، أنها جريمة تجاه النساء أن نجد بعضاً ممن يمتلكون شهادات عليا ويعيشون درجة عالية في التمييز تجاه المرأة فهو عندما يذكر زوجته يقول بهذا اللفظ (الحرمة أكرمك الله)، هذه النماذج موجودة في مجتمعنا، هل هي من القذارة للحد الذي تكرمني عند ذكرها، لا يجب أن يكرم رجل آخر إلا عندما يذكر الشيء القذر الذي يتقزز الإنسان من ذكره، طرحت هذا السؤال على محاوري -ذلك الشخص الذي كرمني عندما ذكر زوجته- فأجابني بأنها كامرأة تأتيها الدورة الشهرية، وتتعرض للحمل والولادة وفي هذا الكثير من القرف، فأدركت قصر النظرة للأمور، قلت له: وأنت ألا تذهب للحمام لقضاء الحاجة، إلا تنظف أنفك المليء بالقاذورات، وكان عليه أن ينظف عقله من قاذورات التخلف، والجاهلية التي تظهر من جديد في هذا العصر، والتي تروج لفكرة (صوت المرأة عورة) ويدها عورة، ورجلها عورة (وكل ما فيها عورة).

العورة يا سادتي في أفكارنا نحن، فالحلال بين والحرام بين، وهناك مفاصل محددة في الشرع، أمر الله بها المرأة، فالمرأة الشريفة، المحافظة على نفسها، هي تحرص على حجابها، وتعرف حدوده، دون أن نجعل من كل تصرف تقوم به، أو أي خطوة تخطوها عورة، حتى أصبحنا نزرع العقد في نفوس بناتنا وهن صغيرات، في مراحل الطفولة الأولى، يجب أن نزرع في داخل كل بنت ثقة بنفسها، وإيمان بالله، وحب لله ولرسوله، وننمي لديهن أهمية التمسك بمبادئ ديننا الإسلامي الحنيف، ونزع في داخلهن الثقة بالنفس والاعتداد بالرسالة التي عليها أن تؤديها تجاه نفسها ووطنها ودينها، وعندها ستكون قادرة على إدارة شؤونها بالشكل الصحيح، فالشخص غير المدرب على الاعتماد على الذات لن يستطيع أن يدير شؤون حياته وحده.

مستشار تدريب - باحث في الشئون الإعلامية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد