Al Jazirah NewsPaper Monday  12/10/2009 G Issue 13528
الأثنين 23 شوال 1430   العدد  13528
ما لا يعرفه هؤلاء عن جامعة الملك عبدالله
د. عبد الرحمن الحبيب

 

من الجميل أن نشهد مقالات احتفائية بجامعة الملك عبد الله تعبر عن الفرح بهذا الصرح العالمي الفريد، ولكن من غير الجميل أن نقرأ نقاشات واقتراحات نمطية يمكن طرحها لأي مؤسسة تعليمية، بحيث يمكننا استبدال اسم جامعة الملك عبد الله باسم هذه المؤسسة وتمضي مقالاتهم بلا تأثُر!

مقترحات مكررة ومعروفة منذ سنين لا يليق توجيهها إلى جامعة يُراد لها أن تكون متفردة عالمياً.. توصيات فضفاضة ونصائح متواضعة يطرحها كُتاب أغلبهم لا يعرفون إلا معلومات عامة عن الجامعة.. أضف إلى ذلك أن كثيراً ممن وضعوا المقترحات لا علاقة لهم لا بالمسألة الأكاديمية ولا البحثية سواءً من الناحية المباشرة أو من الناحية الثقافية العامة..

ذكرتُ ذلك لصاحبي الكاتب الذي سألني عن رأيي في مقالته حول الجامعة التي رحب بها كثيراً ووضع توصيات للجامعة، محذراً من أن تتحول مع الوقت إلى تلقين مشلول يُدرس مواد نظرية يحفظها الطلاب بطريقة ببغائية.. الخ. قلتُ حانقاً: وماذا تعرف من معلومات عن الجامعة لكي تضع لها توصيات؟ قال: أعرف أنها جامعة كبيرة للعلوم والتكنولوجيا وبعض معلومات نشرها الإعلام.

قلت: لكن هذه معلومات عامة لا تكفي لطرح رأي عن جامعة عالمية جديدة، كما أن عامة القراء يعرفون هذه المعلومات من الإعلام، فما الفرق بين الكاتب والقارئ إذا لم يستند الأول على معلومات جديدة تغيب عن ذهن القارئ، ويضيف أفكاراً جديدة؟ قال: أنا مثقف وكاتب رأي، ولدي اطلاع عام جيد ومستوى معرفي وقدرة تحليلية تؤهلني أن أطرح رأيي في الجامعة.. وأغلب من كتبوا عنها لا يعرفون أكثر مما أعرفه.. وعموما أنا أمارس حقي في إبداء وجهة نظري..

قلت: هذا حقك بلا شك، ولكن لكل حق مسؤوليات وواجبات، وأنت لم تؤد واجبك لممارسة هذا الحق.. وهو الاطلاع على طبيعة أعمال هذه الجامعة الوليدة وأهدافها ومهماتها وبرامجها وخطة أبحاثها وميزانيتها ومصادرها المالية وإطارها التنظيمي، وعلى نظام وأعضاء هيئة التدريس والطلاب بها، وعلى تخصصاتها وجوانبها الأكاديمية..إلخ، هذه أمور تقول: إنك لم تطلع على أي منها.. فعلى أي أساس تبدي اقتراحاتك؟

إنها الثقافة الارتجالية التي تكتفي بمعلومات عامة لموضوع خاص.. ثقافة شفوية تطغى على أغلب مصادر كُتابنا عند مناقشة المواضيع والمشاريع والهيئات التي يتم إنشاؤها.. فالكاتب يكتفي بالمعلومات العامة التي يراها ويسمعها ويقرأها من الإعلام، ولا يجشم نفسه قليل عناء في البحث عن المعلومات الكافية من مصادرها الأصلية.

ورغم أن الإنترنت يتيح البحث عن المعلومات بسهولة، فقلة من المقالات التي بها معلومات تدعم آراء أصحابها.. بينما الأغلبية يتبين بسهولة مما كتبوا عدم كفاية معلوماتهم، بل وأخطاء مضحكة مبكية في بعضها، مثل ذلك الذي يعتقد أن الجامعة تُخرج طلبة بكالوريوس؛ وذلك الذي يظن أنها تُدرس باللغة العربية!

ماذا سيفيدنا رأي بعض الكُتاب الذين نصحوا ألا تتحول الجامعة إلى كليات نظرية تدرس المواد بطريقة إنشائية؟ هذا هو الكلام الإنشائي الذي يمكن قوله لأي مؤسسة تعليمية تقنية نمطية.. هؤلاء لا يعلمون أن جامعة الملك عبد الله ليس مجرد جامعة.. بل وضعت أسلوباً فريداً تطمح به أن تضاهي خلال عشر سنوات في مجال العلوم والتقنية أفضل عشر جامعات في العالم.. ووضعت مقاييس دقيقة ومحددة وفقاً لمعايير عالمية معروفة لذلك، لكي يتضح نجاحها أو فشلها. فإن هم قرأوا هذه المعايير، ولديهم مقترحات وانتقادات وتوصيات، فعلى الرحب والسعة..

ماذا سيضيف لنا تنبيه بعض الكتاب بألا تتحول الجامعة إلى مؤسسة بيروقراطية معاقة مثل كثير من المؤسسات الحكومية؟ هل يعلم هؤلاء أنها جامعة مستقلة يحكمها مجلس أمناء يتألف من شخصيات عالمية رائدة في الأوساط الأكاديمية، والعلمية، والمالية، والصناعية والحياة العامة، وتمارس عملها بصفة عامة دون اعتبار للحدود التنظيمية أو الوطنية، كما هو موضح في موقعها بالإنترنت.. هل علم هؤلاء أن متخصصين من أفضل الخبرات العالمية في المجال الأكاديمي والبحثي هم من وضع الأطر التنظيمية لهذه الجامعة لتكون خالية من المعوقات المؤسساتية والبيروقراطية؟ إذا كانوا اطلعوا على هذه الأطر التنظيمية ولديهم آراء وانتقادات، فحباً وكرامة؟

وعلى هذا المنوال سار ركب من الكتاب بعدد من المقترحات الإنشائية والنصائح الجاهزة والتنبيهات العامة المكررة لدرجة الملل.. فذاك يذكرنا بمدى علاقة مخرجات الجامعة وخريجيها بسوق العمل المحلي.. وآخر ينبهنا بألا تقع الجامعة ضحية الواسطات والعلاقات الشخصية.. وثالث ينصح الجامعة ألا تصبح بهرجة إعلامية.. وآخرون يناقشون أهدافا لم تطرحها الجامعة من أهدافها أصلا.. وهلم جرا. إطلاق نصائح واقتراحات في الهواء من كُتاب لديهم خلفية ثقافية قوية، وأسلوب كتابة جميل، لا فائدة منه إذا كان الكاتب يعتمد على تأملات ذهنية غير مرتبطة بشكل عملي بموضوع النقاش، خاصة إذا كنا نتناول جامعة تعلن عن نفسها بأنها جامعة عصرية للأبحاث لا تشبه أي جامعة أخرى.. وبأنها تحقيق لرؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله التي راودته منذ عشرات السنين.

ما لا يعرفه كثير ممن كتبوا، هو أن الجامعة تُدرس وتُدرب للحصول على درجات علمية في الدراسات العليا فقط وليس البكالوروس، وتهدف أن يكون الخريجون قادة في مجال التعليم والأعمال على مستوى المنطقة والعالم، وليس فقط تخريج تقنيين ناجحين لدعم سوق العمل.. ما لا يعرفه هؤلاء أنها جامعة دولية للأبحاث سيكون بها مبدئيًا تسعة مراكز أبحاث على أعلى المعايير الدولية، وسوف يعمل طلابها وباحثوها على تنمية القدرة على تغيير الصناعات القائمة وإنشاء صناعات جديدة..

هناك الكثير مما يمكن مناقشته والعديد من المقترحات والنقد والنصائح التي يمكن توجيهها للجامعة، هذا أمر مطلوب، ولكن بعد الاطلاع على طبيعة أعمالها، والالتزام بالاستنتاجات المبنية على الوقائع والإحصائيات والدراسات، وبالطريقة العملية العلمية التي تتناول الرؤية والأهداف والمهام التي حددتها الجامعة لنفسها، وبرامج العمل وطرق التنفيذ والتوقعات المرسومة، وليس الاستنتاجات المبنية على الأفكار التأملية أو الاستنباطات المنطقية المبنية على تصورات ذهنية مسبقة..

أخيراً، حتى مقالتي هذه بها خلل منهجي، فليس من الموضوعية أن أطرح انتقادات حادة لمقالات دون أن أوثقها بذكر أسماء أصحابها.. لكنني جبان أخشى مواجهة جحافل الكتاب الأشاوس.. فلو وضعت الأسماء لفاقت ثلاثين كاتباً، سيواجهني أغلبهم بما لا طاقة لي على مواجهته.. وتلك شجاعة بعيدة عني.. إنما عزائي هو أن الخلل في المنهج أفضل من عدم وجوده.

وفي النهاية، قال لي صاحبي: هل تريد لكي ترضى أن نكمم أفواهنا، بحيث لا نكتب إلا وفقا للشروط المنهجية التي تعجبك؟ قلت له: ندع الإجابة للقارئ..



alhebib@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد