Al Jazirah NewsPaper Monday  12/10/2009 G Issue 13528
الأثنين 23 شوال 1430   العدد  13528

وتتوالى الفضائح
د.عبدالله الصالح العثيمين

 

عندما انطلقت حركة فتح بجناحها العسكري (العاصفة) عام 1965م تفاءل خيراً كثير من المخلصين لقضية فلسطين، وبخاصة أنها عند انطلاقتها بدت على أنها حركة غير رافضة للتوجه الإسلامي المجاهد إن لم تكن مؤيدة له..

.. وانهالت عليها أموال الخيرين بحيث أصبح المنتسب إليها يتقاضى مرتباً يساوي ثلاثة أضعاف مرتب الجندي الأردني الرسمي إن لم يزد على ذلك.

وبعد نكسة عام 1967م ازدادت الحماسة والتأييد لحركة المقاومة الفلسطينية على العموم. ولأن كبرى فئات تلك الحركة عام 1968م كانت حركة فتح. كنت ممن أشادوا بهذه الحركة ورأوا أن نهجها المقاوم حينذاك هو الحل لقضية فلسطين، فقلت:

الحل عند (الفتح) عاصفة

تزداد عنفاً كل ملتحم

شهم فدائي وثائرة

وهجوم مقدام وضرب كمي

وكتيبة تمضي فتخلفها

أخرى تحيط الأفق بالضرم

وفيالق في الدرب زاحفة

لتدك صرح عدوة الأمم

على أن الأمور لم تسر وفق ما كان مأمولاً. فقد ارتكبت قيادة تلك الحركة - مع قيادات الحركات الفلسطينية الأخرى- من الأخطاء، طرحاً وتنفيذاً، ما كان فادحاً وضع زعماء الأرض العربية التي كانت المقاومة تنطلق منها في موقف مواجهة رأت لا مناص من اتخاذه. ولعلَّ الكثيرين ما زالوا يذكرون غضب تلك الحركة والحركات الأخرى على قبول الرئيس جمال عبدالناصر مبادرة روجرز، التي رأى ذلك الرئيس في قبولها فرصة يقوي من خلالها استعداداته لمواصلة حرب الاستنزاف المجيدة.

ومضت الأيام والأخطاء مختلفة الأحجام لم تتوقف، وجاء احتلال صدام حسين العدواني للكويت، فارتكبت قيادة فتح المهيمنة على منظمة التحرير الفلسطينية عموماً خطأً واضحاً، وذلك باتخاذها موقفاً بعيداً كل البعد عن العدل والعقل من ذلك الاحتلال، كما هو معروف لدى الجميع.

ثم جاء مؤتمر مدريد، الذي كان من أكبر الخدمات التي قدمتها الإدارة الأمريكية للكيان الصهيوني - كما أوضح ذلك وزير خارجية أمريكا حينذاك- جيمس بيكر، في مذكراته، ذلك أن المؤتمر نسف، من حيث المبدأ، قرارات القيادات العربية في مؤتمر الخرطوم المرحوم، وهي عدم التفاوض مع الدولة الصهيونية، وعدم الاعتراف بشرعية وجودها على أرض فلسطين، وعدم السلام معها، فأساس مؤتمر مدريد هو (الأرض مقابل السلام)، ومن الواضح أن ذلك يعني انسحاب الصهاينة من الأرض التي احتلوها عام 1967م فقط، لكنه لا يشير إلى الأراضي المحتلة قبل ذلك العام، ولا إلى قضية اللاجئين الفلسطينيين.

وربما قال قائل منهم: إن القيادة الفلسطينية كانت حينذاك مضطرة إلى معانقة ركب بعض القادة العرب الذين رأوا أنفسهم في موقف أضعف من أن يعارضوا ما أبداه المهيمن الأمريكي من توجيه. لكن القيادة الفلسطينية لم تكتفِ بذلك، فبينما كان الوفد الفلسطيني إلى المؤتمر بقيادة المخلص الدكتور عبدالشافي، وكانت حنان عشراوي تخطف الأنظار نجاحاً فيه، ضرب ذلك من الخلف من قِبل متنفذين فلسطينيين، وذلك بدخولهم في محادثات جانبية خفية أدت في نهاية المطاف إلى اتفاقية أوسلو، التي اتضح أن من بنودها ترك قضايا مهمة جداً دون نقاش، مثل قضية القدس وقضية اللاجئين وتعويضهم، وكان هذا مما أتاح للصهاينة أن يستمروا في تهويد ما احتلوه عام 1967م بما في ذلك القدس التي يوشك أن يقضى الآن على كل وجه عربي إسلامي فيها.

ولأن عرفات لم يتماد تمادياً يرضى عنه قادة الصهاينة كل الرضا؛ إذ لم يبادر إلى ضرب المقاومة الفلسطينية بالقوة كما أرادوا، كان مصيره الحصار في مكتبه حتى كاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، ثم كان ما كان من وفاته.

وكان من الفضائح أن المحكمة الدولية أصدرت رأياً بأن الجدار العنصري الذي بناه الصهاينة، والذي التهم كثيراً من الأراضي الفلسطينية، وشتت وجودهم عليها، مخالف للقانون الدولي، وأنه يجب إزالته، لكن قيادة السلطة الفلسطينية لم تستثمر صدور ذلك الرأي إطلاقاً.

والفضائح مع الأسف الشديد كثيرة لا يتسع حيز المقالة لذكر المزيد منها، على أن الفضيحة الأخيرة المتمثلة في إرجاء صدور تقرير جولدستون عن الجرائم التي ارتكبها قادة الصهاينة في عدوانهم الأخير على غزة ينطبق عليها المثل الشعبي القائل (شيء ينبلع وشيء ما ينبلع)، وكم يود المرء عدم سماع ممثل أمريكا المتصهينة وهو يقول بملء فيه: (إن قرار تأجيل مناقشة تقرير جولدستون تم بناء على طلب الفلسطينيين والدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي)، واستعمال ذلك الممثل كلمة (طلب) بدلاً من (موافقة) له ما له من دلالة أشد إيلاماً.

ولقد أعلنت ابنة جولدستون عبر إذاعة الجيش الصهيوني في السابع عشر من الشهر الماضي أن والدها من محبته لإسرائيل خفف من قسوة التقرير، وإلا لأتى أشد قسوة، وإن كاتب هذه السطور لمقتنع أن ذلك التقرير لو فرض صدوره مديناً للصهاينة لارتكابهم ما ارتكبوه من جرائم حرب لن يكون أكثر من حبر على ورق.

فما أكثر قرارات الأمم المتحدة التي صدرت موضحة جرائم أولئك الصهاينة وارتكابهم مخالفات واضحة للقانون الدولي! لكن هل تستطيع أي قوة أن تقف ضد الدولة الصهيونية المدعومة دعماً غير محدود من قِبل الدولة الأمريكية المهيمنة - بدرجة كبيرة- على مجريات أكثر الأمور في العالم؟ إن من الوهم المضل الجري وراء السراب ظناً أن هناك رأياً عاماً دولياً يمكن أن يحقق العدل في قضية فلسطين بالذات، لكن من الخزي المفضوح أن يقف من الفلسطينيين أو غيرهم من أمتهم موقفاً مثل الموقف الذي اتخذ حيال مناقشة التقرير المشار إليه.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد