Al Jazirah NewsPaper Wednesday  14/10/2009 G Issue 13530
الاربعاء 25 شوال 1430   العدد  13530
مركاز
أزمة مالية!
حسين علي حسين

 

قرأت الخطاب الذي خطه الدكتور ناصر بن علي الحارثي الأستاذ بجامعة أم القرى وكان موجها إلى من تقع عليه عيناه منتحرا في غرفة مكتبه الخاصة، بعيدا عن سكن زوجتيه وأبنائه، وكان السبب الرئيس الذي من أجله ودع هذه الدنيا، هو شعوره باكتئاب حاد بسبب مروره بأزمة مالية وربما بأسباب أخرى، لكن الأزمة المالية هي السبب الواضح، والذي تردد بعد وفاته - رحمه الله - فقد كان مدينا بسبعة ملايين ريال ولابد أن هذا المبلغ صرف على إنشاء المنزل الذي سكنه قبل شهور قليلة من وفاته، وكل من يعرف هذا الأكاديمي البارع والمؤثر في حياته ومماته، يعرف ما يتمتع به من حماس منقطع النظير لرصد وتسجيل كل واقعة أو قطعة أثرية في منطقة الحجاز، وكان يقوم بجهود البحث والتنقيب والرصد والتسجيل والتصوير منفردا، وهو جهد أو جهود، تقوم به عادة فرق بحث وتنقيب يصرف عليها الملايين وتعلن الصحف ووكالات الأنباء عن جهودهم حتى وإن كان ما يكتشفونه بسيطا، فكيف إذا كانت هذه الجهود موجهة لمدينتين عريقتين مثل مكة المكرمة والطائف؟. ومع ذلك فإن عفة هذا الرجل ونظافة يديه حالت دون أن يلتمس أو يطلب من جهة أو شخصية مبلغا من المال لبناء مسكن لائق لأسرة عالم بارز لم يقصر في أي وقت في حق مدينتيه!

قرأت للفقيد الدكتور ناصر الحارثي كتابين هامين أحدهما (أعمال الخشب المعمارية في الحجاز) وهو من جزأين، و(شواهد القبور في مكة المكرمة)، وفي الكتابين ثروة من المعلومات وقبل ذلك كله تسجيل لوقائع وشواهد في طريقها للاندثار بفعل من يسعى بدأب لمحو كل قديم على أرضنا حتى لو كان أعمالا خشبية مثل الدرايش أو الشبابيك ليحل مكانها الحديد والألمنيوم! وللراحل الكبير العديد من الكتب الأخرى التي لا تقل قيمة عن الكتابين السابقين ومنها (الآثار الإسلامية في مكة المكرمة)، (موسوعة الآثار الإسلامية في محافظة الطائف)، (المعجم الأثري لمحافظة الطائف)، (أعمال الملك عبدالعزيز في عشيرة)، (موسوعة آثار الطائف).

هناك العديد من علماء الآثار، والكتاب، والفنانون يعانون أشد المعاناة خصوصا من النواحي المادية، ومع ذلك لا نجد من يقف معهم ويشد من أزرهم، وهم يقومون بأداء رسالة نبيلة هدفها خدمة هذا البلد، وإبراز صورته وتاريخه ومآثره، دون أن يخطر في بالهم أن مثل هذه الجهود يصرف عليها الملايين في الدول المتحضرة، ملايين لا تصرفها الدولة فقط ولكن يصرفها رجال الأعمال والمال، الذين يرعون المشروعات غير الربحية، وللأسف يقوم بعض من رجال أعمالنا بمثل هذه الجهود، ولكن هناك في معاهد وجامعات بريطانيا وأمريكا وغيرهما، يدعمون البحث العلمي ورعاية الآثار الإنسانية بالملايين، في الوقت الذي يسقط أمامنا رجل بقامة وثقافة وعفة الدكتور (ناصر بن علي الحارثي) من أجل بضعة ملايين.. رحمه الله رحمة واسعة وغفر الله لنا تقصيرنا وتفريطنا بأبنائنا في الوقت الذي نمد فيه أيادينا الحانية لأبناء الآخرين!!

فاكس: 012054137



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد