Al Jazirah NewsPaper Thursday  15/10/2009 G Issue 13531
الخميس 26 شوال 1430   العدد  13531
يحيا الحب.. يحيا الغباء!
د. خالد محمد باطرفي

 

(ماذا تفعل عندما تكتشف أن حبيبك عاد لك لأن جديده هجره؟ هل تستعيده؟ أم أنه لا يستحق أن تأتمنه على قلبك من جديد؟)

كتب ذلك على رأس صفحته ب(الفيس بوك). وجاءته تعليقات كثيرة كلها تجمع على أن عليه أن يرفض العرض، ويبحث عن حب جديد.

عقله يطالبه بذلك منذ ساورته الشكوك. منذ تأكدت الشكوك. منذ عاودت أسلوبها القديم.. تقبل وتدبر. تخفي وتعلن. تمارس عليه سطوتها كلما اشتاقت اليه، فتأمله بلا وعد، وتشجعه بلا التزام، ثم.. إذا عاودت الصلة بغيره تهمله وتكويه.

كرامته سمت به مرارا، فابتعد. وقلبه هوى به مرارا فأعاده صاغرا إلى قفص العبودية. وكل مرة يحلق بعيدا يحن لها وعليها، ويستغفر لذنبها، ويجد لها الأعذار. يحاول أن يستعذب حبا جديدا، يقبل بعرض مجيد، يكتشف عالما أحلى وأكثر سلاما ووفاء وصدقا، وأقل غموضا.

ومايكاد.. مايكاد جرحه يندمل.. بعض اندمال. ووجعه يهون.. بعض هون. وشوقه يتراجع الى آخر الليل أو بعض النهار. لا يكاد يخفق لغيرها.. بعض خفق. ويميل إلى قلب جميل.. بعض ميل. وينتمي، ولو قليلا، إلى زمان سواها.. حتى تعود.

قد تعتذر.. قد تفسر بمنطق الضحية.. قد تلمح.. وقد لا تقول. فقط تعود. وتبدأ قليلا.. قليلا.. تجاذبه، تجذبه، تنجذب اليه من جديد. ويتردد خطوة.. تحذره التجارب.. تناصحه الذكريات. ولكنه يقنع نفسه أنه هذه المرة أقوى. إنها هذه المرة أصدق. أن تجاربها المريرة أعادتها إليه. أنه أثبت لها أنه الخيار الصحيح. وأنها هذه المرة أعقل وأخلص وأوفى.

وربما أقنع نفسه بأنه يستطيع أن يكسبها زميلة وصديقة فحسب. ربما حسب أنه يقوى على علاقة بريئة من الإدمان والتعلق.. خالصة من الضعف والمهانة.. واقفة على عتبات الصداقة المتكافئة، والثقة المتبادلة.. والصراحة والوضوح.

وما يكاد.. حتى تتلقف خطوته دروب الزلق. ويتهاوى المسكين كعصفور في أنبوب مفرغ من الهواء.. يخفق بجناحيه بكل ما أوتي من قوة وجلد.. فلا يطال إلا السقوط والتعب.

يستسلم أخيرا.. ويسلم لها. يقر بأنه عاشق حتى الثمالة.. ويأتمنها على قلبه من جديد. وما يكاد.. حتى يستيقظ ذات ليل حالم.. أو ذات صباح مشرق بالحب.. بالأمل والأمنيات على رسالة جاحدة.. أو صوت قاس يبلغه أنه تجاوز حدّه.. وعليه أن يضبط مشاعره ويوقف همسه وشعره ودفقه.. ويتذكر أنه.. مجرد صديق!

آه.. ما أقسى الحياة على الأغبياء! وما أشد الأقدار على الضعفاء! وما أردى النهاية للمخلصين!

***

(وعدت إلى نقطة البداية من جديد.. خالية اليدين.. وحيدة.. أبكي وأحن للمسة من يديه.. وللنظرة من عينيه.. تركني.. وغاب في زحمة الحياة.. وعدت من جديد.. ولكن عدت أتمنى شريكا لا تفارق يداه يدي.. ولا أريد إلا أن أنظر لعينيه لأدرك أنه ملكي ولي ومعي.. دون أن يغيب، وأقول والفرحة تملأ نفسي.. أنا لست وحيدة)

تغيب.. تعود.. تغيب.. وهو لا يزال هنا. ينتظر اتصالها فتحجم.. فيعتاد قليلا.. ويكاد يعتاد. ثم تواصله من جديد.

لم يكن يفهم لماذا؟ كيف تفهم من لايفسر فعله منطق ولا سابقة. عقل ولا عاطفة؟

كتب لها (بت لا أفهم، وأصبحت لا أفهم.. وكلما فسرتك وحللتك ازددت جهلا بك وكأنما كتب علي أن لا أفهمك).

وأخيرا عادت بكثير من الوضوح والتوضيح. كشفت أنها أحبت.. وتعلقت.. ومارست تجاه حبيبها الجديد مامارسته معه.. إقبال وإدبار، تمنع وتدفق، قسوة وحنان. ولما يئس منها.. قرر أن يتزوج.

اتفقا على أن يقطعا الصلة تماما يوم دخلته، وليس قبل. وأن يتدرجا في التواصل حتى تهون القطيعة. لكن كلام العقل في الحب هواء. عادت إلى عادتها. تضعف فتصل.. وتقوى فتقطع. أو تقوى فتصل.. وتضعف فتقطع. تحسب أنها الأقوى.. وأنه البائس الضعيف. حتى تمرد، كما تمرد من جاء قبله وقبله. وجد في خطيبته الأمان الذي لم يجده معها.. فأحب الخطيبة. وعندما اكتشفت هي وغارت.. وأعلنت عليه القطيعة.. تقبل قرارها ببرود وهدوء.. ومضى.

غضبت على الحب الجديد.. غضبت على خطيبته.. غضبت على الدنيا بأسرها.. وقررت.. أن تجرب العودة الى الحب الثابت، الآمن، الصامد.. القديم.

عادت إلى الحب القديم.. ولم يعد.. لكنه، الغبي، يشاور نفسه والآخرين. ربما.. لعل.. من يدري.. قد تكون العودة الأخيرة؟

يرد عليها:

(آه من القلب وأقدار الحب وحظوظ المحبين.. ليتني أستطيع أن أسرق حبيبي من براثن حب وجرح وقيد. وأن أعوضه عن خسارة من خسرته له. أو أمنحه مايتوق اليه. لكنني أخاف أن أعطي كل شيء وأخسر كل شيء.. وأخسره. من يضمن القلوب؟ من يكفل القدر؟)

خلاصات:

* الخوف حظي معك. الخوف أن أفقدك سفرا وأن أخسرك حلا. وأن أغمض عيني وأفتحهما فلا أجدك. بت أخاف منك وأخاف لك وأخاف عليك. تقتربين فأحزن وأخاف. وتبتعدين فأحزن وأخاف. ربما لأني لم أعد أعرف أن كنت أملك قلبك. وربما لأني لم أعد أطمئن على قلبي معك. ليتني أقرؤك. ليتني أفهمك.

* كفاك تجارب مريرة. ماذا تريد من قلب يزدحم بغيرك، لايطمئن على حال، ولا يعرف مايريد؟ ضعفك في وجوده، صوته وصورته. أما وقد هجر، فقد هون عليك القرار: الصمت والرحيل. وهل هناك خيار؟

* متى ينتهي كل شيء.. متى أستريح؟

* لا تضعف.. كلما ابتعدت سهل عليك البعاد.. واصل المسير.. فالمسافة بلسم ومعين.

* إذا كانت الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويه، فطعنة الخيانة التي لا تقتلك تمزقك وتدميك.

* أيهما أهون لعاشق خسر حبه: أن يكتفي بفتات التواصل أو يغادر؟ أمر من هذا ذاك، ومن ذاك هذا. ولكن القطع أن استطاع أولى وأجدى.

* الحب قيمة عظمى وقدر عظيم أن سمونا به حلق بنا، وأن تسولنا به المشاعر والغرائز ضيعنا وضاع. ليتنا نقدر ونصمد ونحسن القرار والاختيار ليرتقي بنا الحب فنعلو به ونكبر. وليتنا نحسن النية والظن فيه. ليتنا نستطيع. الحب قوة وضعفا.

* الحب حالات: أعظمها أن تعطي كل ماعندك. وأسماها ألا تنتظر المقابل. أما أتعسها وأشقاها فهو أن يسلبك الحبيب حتى الكرامة. دقت ساعة اليقظة.

* إن صح أن حواء استدراجية بطبعها، فهل الآدم فينا كثور الحلبة تفقده صوابه خرقة حمراء؟

* ما أبخس وأتعس أن تتلخص الدنيا في أمنية واستغاثة: أن تنام.. ولو للأبد!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد