Al Jazirah NewsPaper Thursday  15/10/2009 G Issue 13531
الخميس 26 شوال 1430   العدد  13531
لما هو آت
إلا هذا الاختلاف
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

كان المبدعون أدباء يعهدون لشغف النفوس بالجمال, فيشغلون بنحت القطع الأدبية بصياغات التعبير عما يجول في خواطر الناس، ويلتقطون من أشجار اللغة أكثر ثمارها رواء، وأشدها حلاوة، ويصيغون من بحة زقزقة العصافير وهسيس الريح وهمس النسيم وعبير الزهور ما يحمل إلى تلك النفوس أطباقاً من الأفكار وألواناً من الحساء، فينزل في الذائقة كلذة قهوة الصباح، ورشفة قطرة الشهد، وبرد ماء العطش, ودفء مشروب الشتاء عند التحلق حول المجامر واستنشاق عرف العود.. كان الشعراء والناثرون.. يحسنون زخرفة الوقت ليس في هباء، ولضم نسيج الفكر بمتعة تتنامى بها رغائب الاستزادة، وتحفز كوامن التفاعل.. المبدعون بلغاتهم وأفكارهم يولدون الحياة للناس بكلمة وفكرة وخاطرة وسجال وإخوانيات بل بسير الشخوص والأحداث, ومغازي وبطولات ذوي البصمات، وتسجيل تأريخ لا يغفلونه، وقصص لا ينسونها، في مقالات وأشعار ورواية وابتكار, فدواوين الأدباء المفكرين، والمؤرخين الرحل، والشعراء الموهوبين، وذوي الأقلام الماهرة والعقول الحصيفة هم القارئون كفوف الوقت في حركة إصبعي ساعته, كانت لديهم القدرة لأن يطابقوا نبضها بنبض شغف الحلم والأمل والفرح والنقاء والبناء والتسلق والتحليق وإعادة صياغة نبض الصدور في الإنسان بوقع الأقلام عن الجِنان.

الآن اختلف الإبداع باختلاف نبض الساعتين, واختلاف مؤشر بوصلات الوجهات في أديم الأرض تحت الأقدام, واختلاف لون النبض وشكل الومض في فسحة المدى في فضاء النفوس.

إذ تفرغ المبدعون لآلية الحياة فجعلوها تلون عطاءاتهم بآليتها, وتبعثر الجمال, وتقيم للجفاف صحراء شاسعة على صفحات القراطيس التي تحولت بوقع الساعتين لآلة مادية.. فأصبحت سمة الإبداع جفافا لا يروي..

المبدعون يوصدون تلك الأبواب ويحجبون النفوس في علب كما الطائرات..

فليس كل ما استجد في حياة الإنسان أعطاه ويعطيه, بل هناك اختلاف سلبه ما كان يسعده ويرضيه.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد